بقلم: الرحموني الغيث امبيؤيك.
على العموم تواطؤ الأنظمة العربية مع الكيان الصهيوني ليس وليد اليوم بل كان دائما شرطا وعاملا حاسما في إنجاح أهداف إسرائيل المعلنة ضد العرب والمسلمين، لكن التعاون المغربي الإسرائيلي فاق الحسبان في العمالة والخيانة والقدر والنفاق ،الذي بدا مع ظهور الدولة المغربية الحديثة إبان نفي أسطورة محمد الخامس إلى مدغشقر والاتفاق الفرنسي الإسرائيلي على عودته وتنصيبه ملكا على المغرب، مقابل التعاون ألا مشروط مع الكيان الصهيوني لخدمة دولة إسرائيل .
ازدهرت العلاقة المغربية الإسرائيلية في عهد المقبور الحسن الثاني ، الذي أبداها كبادرة حسن نية بترحيل اليهود المغاربة إلى إسرائيل والذي تجاوز عددهم مليون مغربي ، ناهيك عن العلاقة الحميمة التي تربطه مع إسحاق رابين وشمعون بريس ، علاوة على ما يقدمه المخزن من خدمة جليلة للموساد الإسرائيلي نظرا للاتفاق بين (الادجيدي) جهاز المخابرات المغربي والموساد الإسرائيلي لتلبية مطالب هذا الأخير على أن يلتزم المغرب بالادعاء كل ما تم القبض على عميل إسرائيلي في احد البلدان العربية بأنه سائح مغربي وبعد أن يتم الاتصال بالقنصلية المغربية في ذالك البلد تؤكد ذالك، مع توفير بطاقات هوية مغربية للإسرائيليين مدعية أنهم سياح مغاربة ، وقد اثبت ذالك جهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد على لسان العديد من منتسبيه كما تحدث عن التقارير الشهرية التي يقدمها المغرب للإسرائيليين والأمريكان بخصوص الأوضاع في العالم العربي ، وكانت مصر هي السباقة إلى كشف هذه المؤامرة .
- كيف استعان المقبور الحسن الثاني بإسرائيل لبناء جدار الذل والعار الذي قسم الصحراء الغربية إلى قسمين .
بعد خروج موريتانيا الدداهية من الحرب بعيد اتفاق الجزائر في سنة 1979 ، كثفت جبهة البوليساريو من عملياتها العسكرية جنوب المغرب والمناطق المحتلة من الصحراء الغربية ، فنتج عن ذالك ملاحم بطولية ستبقى راسخة في ذاكرة الجندي المغربي الجبان ، كملحمة طانطان وأغا وامحاميد الغزلان و الكلتة ولمسايل والمحبس والزاك وحصار لمسيد .
أمام هذه الملاحم البطولية ، لجأ الحسن الثاني كعادته إلى أسياده في البيت الأبيض وتلابيب يستنجد هم ، مما أدى بالرئيس الجزائري الراحل الشاذلي ابن جديد إلى الوساطة لدى قيادة البوليساريو لرفع حصار (لمسيد ) مقابل التفاوض فكان له ما أراد ، لكن لعنة وخبث الحسن الثاني أدى به إلى الخديعة وبدء تشييد جدار الذل والعار اعتقادا منه انه سيحد من عمليات مقاتلي جيش التحرير الشعب الصحراوي البطل .
أكدت بعض التقارير التي يسربها الجيش الإسرائيلي بين الفينة والأخرى الدور الكبير الذي لعبته إسرائيل في تحويل جدار الذل والعار من فكرة في مخيلة المقبور الحسن الثاني إلى حقيقة ،لكن الواقع يؤكد عكس ذالك بان فكرة جدار الذل والعار كانت إسرائيلية بامتياز بالرغم من أن طيارين سابقين في الجيش الملكي المغربي أشاروا أن الفكرة كانت موجودة منذ بداية حرب الصحراء في مخيلة المقبور الحسن الثاني .
تمت الاستعانة بخبراء عسكريين إسرائيليين وأمريكان في بناء جدار الذل والعار الذي اشرف عليه الجنرال الأمريكي (والتير) بهندسة إسرائيلية وتمويل خليجي، ويد عاملة مغربية .
لم ينحصر دور الخبراء الإسرائيليين في تقديم الاستشارات التقنية لبناء الجدار بل سهروا على ترتيبات ميدانية شملت الإشراف على تزويد الجيش المغربي باليات خاصة بالحفر ،ورادارات مراقبة عن قرب من طراز(راسوار) و أخرى خاصة بالمراقبة عن بعد يصل مداها إلى 50 كلم بالإضافة إلى قواعد عسكرية بهندسة إسرائيلية ، كل هذا مقابل الدور الذي لعبه الحسن الثاني في الوصول إلى اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل سنة 1978 المشهورة بكامب ديفيد والتي أخرجت مصر من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي وأطلقت يد إسرائيل في المنطقة ،زيادة على ما يقدمه المخزن من خدمات مجانية للكيان الصهيوني ، بلغت بالمقبور إلى نصب أجهزت تصنت على اجتماعات ما يسمى بالجامعة العربية لصالح إسرائيل وقد أكد ذالك حسنين هيكل في برنامج شاهد على العصر.
بدء تشيد حزام الذل والعار على مراحل من سنة 1980 إلى سنة 1987 لكن الترميم وإعادة الترميم مازالت مستمرة على طول جدار الذل والعار البالغ 2720 كلم ، بمسار شبه منعرج يضم 80% من أراضي الصحراء الغربية ويعتبر ثاني أطول جدار في العالم وهو عبارة عن مرتفع من الرمل والحجارة يصل علوه أحيانا إلى 3 أمتار ويربط بين مواقع محصنة مزودة برادارات تبعد عن بعضها البعض 2 كلم ، تجوبها دوريات باستمرار ،مدعوم بالدبابات والمدفعية والأسلاك الشائكة وآلاف الجنود وأزيد من 7 ملايين لغم وأحزمة رملية بعمق 3 أمتار وأخرى حجرية .
هذا الجدار شبيه إلى حد بعيد بالجدار العنصري في فلسطين من حيث المخطط ومن حيث المسار التاريخي لظهور المشروع ومن حيث الفكرة والخبرة والتطورات التي عرفها و كذالك من حيث وجهة نظر القانون بالإضافة إلى تشابه الاحتلال،لفكرة بنائه أبعاد متعددة منها – البعد الأمني لوقف أو كبح سيل الهجمات التي يشنها المقاتلون الصحراويون
- البعد السياسي الذي ربما يكون في تصور المغرب للتسوية مستقبلا على نسبة 20 % المتبقية مما يسهل ضمها في النهاية .
- البعد الاجتماعي ويركز على عزل الشعب عن بعضه البعض لمنع تواصله ومحاولة طمس هويته و(تدريجه )
جدار الذل والعار هذا الذي شيدته القوات المسلحة المغربية على طول الصحراء الغربية ، بخبرة إسرائيلية ودعم مالي سخي من دول الخليج وإشراف أمريكي لتوفير الحماية للجيش المغربي من هجمات المقاتلين الصحراويين يكلف خزينة المخزن ما قيمته 2 مليون يورو يوميا، وتصنفه المواثيق الدولية في خانة الخرق السافر للقانون الدولي ولحقوق الإنسان إذ يعتبر مس بالحق في حرية التنقل التي يكفلها البند 12و17 من الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية كما انه أيضا يمس الحق في العمل والصحة والتعليم الذي تكفله البنود 6،11 ,12و13 من الميثاق الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية علاوة على انه انتهاك سافر لاتفاقية لاهاي سنة 1907 التي تحظر على الاحتلال مصادرة الأراضي والممتلكات وكذالك اتفاقية جنيف 1949التي تنص على تسهيل تنقل السكان الخاضعين للاحتلال.
قضية الجدار من القضايا الكثيرة التي ترسم مأساة الشعب الصحراوي بالإضافة إلى تقسيم الأرض وعزل الشعب ووضع العراقيل أمام تنقل الأفراد والمواشي وإعاقة الحركة بين المناطق هناك مآسي أخرى اشد فتكا كالألغام التي تجاوز عدد ضحاياها ألف قتيل وآلاف الجرحى وتعد الصحراء الغربية من بين العشر دول في العالم الأكثر تضررا بالألغام والقنابل غير المتفجرة على مساحة تقدر ب - 100الف كلم مربع حسب الأمم المتحدة لمكافحة الألغام.
قضية الجدار من القضايا الكثيرة التي ترسم مأساة الشعب الصحراوي بالإضافة إلى تقسيم الأرض وعزل الشعب ووضع العراقيل أمام تنقل الأفراد والمواشي وإعاقة الحركة بين المناطق هناك مآسي أخرى اشد فتكا كالألغام التي تجاوز عدد ضحاياها ألف قتيل وآلاف الجرحى وتعد الصحراء الغربية من بين العشر دول في العالم الأكثر تضررا بالألغام والقنابل غير المتفجرة على مساحة تقدر ب - 100الف كلم مربع حسب الأمم المتحدة لمكافحة الألغام.
أسئلة كثيرة تبقى مبهمة وبدون إجابة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه ويثير جدلا كبيرا داخل الأوساط المعتدلة المغربية والدولية والمهتمين بالشأن الصحراوي والمنادين بحرية الشعوب في اختيار مصيرها… يستغربون لماذا يعارض المغرب تقرير مصير الشعب الصحراوي وهو المتشدق كثيرا (بالديمقراطية وحقوق الإنسان) ؟ أيخاف المغرب الاستفتاء ؟ وهو الذي يتباهى بمغربية (الصحراويين) وولائهم للعرش العلوي حسب قوله ، ويتساءل آخرون عن دور بعثة المينورسو في الصحراء الغربية التي اختزل اسمها في كلمة (استفتاء) الذي تم إقباره أو التحايل عليه حتى الآن ؟ و يتساءل معظم الصحراويين لماذا يسكت المغرب عن المطالبة بسبته وامليلية وتتعامى اسبانيا التي أعطت مالا تملك لمن لا يستحق عن حق الشعب الصحراوي في الاستقلال؟ ولماذا يستكثر علينا الإخوة العرب المطالبة بتقرير المصير؟ ولماذا تلتزم موريتانيا الحياد السلبي وهي التي تعترف بالجمهورية الصحراوية وطرف في النزاع بل شريك في الاحتلال ، رغم تعامى الشعب الصحراوي عن كل ذالك واعتباره جزء من الماضي ، لكن المحير والغير مفهوم هو خطاب الرئيس ولد عبد العزيز الأخير في مجلس الأمن الذي صال فيه وجال وتحدث عن الشرق والغرب ولم يذكر الصحراء الغربية ولو بكلمة واحدة فيما ذكرها غيره من الأفارقة وهو الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي والجمهورية الصحراوية عضو مؤسس وأخر مستعمرة في القارة السمراء؟ ولماذا تحشر ما يسمى الأمم المتحدة نفسها في قضية لا تستطيع حلها ؟، ولماذا تدفن الدول الكبرى رأسها في الرمال عندما يتعلق الأمر بقضية الصحراء الغربية فيما توظف إمكانياتها في حل قضايا اقل أهمية ؟ لماذا الكيل بمكيالين والمواقف الرمادية ؟ … أسئلة كثيرة وعلامات استفهام أكثر ؟؟؟ لم نجد لها تفسيرا حتى اليوم .
رغم هذا وذاك لا تزال قضية الصحراء الغربية تراوح مكانها ولازال الاحتلال المغربي جاثما على الأرض والعباد ولازال جدار الذل والعار في مكانه وقيد الترميم ومخططات التعديل المستمر رغم أن توقيف إطلاق النار المشؤم مضى عليه أزيد 22 سنة .
رغم تعدد الأصوات المطالبة بنزع الجدار الظالم ورغم المعانات والقمع الذي يتعرض له الصحراويون في مظاهراتهم السلمية داخل المدن المحتلة وأمام جدار الذل والعار ، لا زالت الخيرات تنهب والشعب مشرد ولا زالت جبهة البوليساريو تنتظر سحابة الأمم المتحدة التي انقشعت غيومها بتوقف عجلة كرسيتوفر روس مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ، أمام تعنت وإسرار مغربي تجاوز كل الحدود و أمام السكوت العالمي والحماية الفرنسية الأمريكية،باختصار شديد وبتأسف اشد هذا هو ما آلا إليه الحال بعد 40 سنة من المعانات والتضحيات الجسام .
هل سيقبل الشعب الصحراوي أن يستمر الوضع على ما هو عليه ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق