/ بدون تصنيف / الحرب القذرة للمغرب ضد الصحراء الغربية والجزائر الجزءالرابع والأخير

الحرب القذرة للمغرب ضد الصحراء الغربية والجزائر الجزءالرابع والأخير


دراسة: المخابرات المغربية وحروبها السريّة على الجزائر
للكاتب الجزائري الكبير أنور مالك
الحلقة الثالثة عشرة:استعمال بشع للإسلام والعروبة
غلق الحدود البرية من الطرف الجزائري، هو أبرز ما يؤرق المخزن المغربي في هذه المرحلة، بسبب الخسائر الضخمة التي يتكبدها جراء القرار الذي كان رد فعل طبيعي على فرض التأشيرة التي أقدم عليها المغرب من دون سابق إنذار ومن جانب واحد، بعد تفجيرات مراكش في أوت 1994التي سارعت في توجيه الاتهامات للجزائر كأن الأمر مبيّت من قبل، وقد قدرتها بعض المصادر في 2007، بـ4 ملايير دولار سنويا، من إيرادات التجارة والسياحة خاصة بالمدن الساحلية المغربية الواقعة على الحدود مع الجزائر.
والتي تحولت فنادقها إلى شقق للكراء لصالح العائلات بعدما تراجعت مداخيلها بشكل مذهل. والرقم المذكور قد تجاوز 5 ملايير دولار في مارس من السنة الجارية، حسب تقديرات الدكتور فارس مسدور الخبير في الشؤون الاقتصادية.
3- أرق الحدود البرية المغلقة منذ 16 عاما:
ولهذه الأسباب ظل الملك المغربي محمد السادس يترجى ويستعطف من حين لآخر السلطات الجزائرية أن تفتح الحدود البرية، ويحذو حذوه الكثيرون من المسؤولين المغاربة، الذين لا يجدون فرصة إلا ويطالبون أن تقدم الجزائر على قرار إعادة المياه إلى مجاريها، بل صار بعضهم يستغلّ حتى قوافل الإغاثة الإنسانية لغزّة من أجل تحقيق الهدف لوضع حلّ للحدود الموصدة منذ16عاما.
وبعدما ظلت تلك النداءات تقابل بموقف صارم ونهائي من قبل السلطات الجزائرية، اتجهت المخابرات المغربية نحو نشاطات أخرى مثل عمليات سبر الآراء عبر المواقع الإلكترونية للصحف مثل “الجزائر تايمز” التي أجرت ذلك في جويلية 2009، وصوت 2155 أغلبيتهم الساحقة من المغاربة لصالح الفتح الفوري للحدود، 1668 لطرح آخر بينهم 1149 لصالح التأجيل و519 لصالح الرفض المطلق.
بدورها جريدة “العلم” الناطقة باسم حزب الاستقلال الحاكم الذي يتزعمه الوزير الأول عباس الفاسي، أجرت استفتاء خلال هذا الصيف من 2010 ولا يزال لحد كتابة هذه السطور على موقع الصحيفة الإلكتروني، وللإجابة على سؤال مفاده: هل تساند فتح الحدود بين الجزائر والمغرب؟ بلغ عدد المصوتين 54048، للرفض صوّت 27343، وللموافقة صوّت 25708، الذين لا رأي لهم بلغ عددهم 997 .
كما أطلقت عرائض إلكترونية من أجل فتح الحدود، مثل ما قامت به ما تسمى “الجمعية الجزائرية المغربية”، التي تسعى من أجل التعبئة الإلكترونية من أجل الضغط على الحكومات حتى يتم فتح الحدود. كما فتحت أيضا حسابات عبر شبكات التواصل الاجتماعي على غرار الفايس بوك وتويتر، وكذلك مواقع “الشات” الأخرى، وكلها مغربية المنشأ وتطالب الحكومة الجزائرية بالتراجع عن موقفها.
واللافت للانتباه أنني وبحكم متابعتي لم أجد أي نشاط جزائري يمكن أن يسجل لصالح المغرب، وهذا الذي دفع المخابرات المغربية للتحرك عبر وسائل مختلفة من أجل تحريك الشارع الجزائري ولو إلكترونيا حتى لا يبقى مطلب فتح الحدود مغربيا فقط، ولهذا لما أخفقت في تحريض حتى زعماء الأحزاب الذين دخلوا لترابها من أجل التحرك العلني للمطالبة بفتح الحدود، لجأت إلى المنتديات والمواقع الإلكترونية وعبر خاصية التعليق إلى محاولة إبراز إلحاح جزائري أيضا.
وفي هذا الإطار، اتصل بي “جامع كلحسن”، منشط برنامج “مباشرة معكم” الذي تبثه القناة الفضائية الثانية “2M”، بتاريخ 26/01/2009 من أجل المشاركة في حلقة تتناول العلاقات الجزائرية المغربية، وقد قبلت بالمشاركة، ولكن أكدت له أنني سأحلّ على البرنامج ككاتب وصحفي وسأتحدث عن مسؤوليات كل طرف في تقهقر هذه العلاقات، إلا أن المنشط الإعلامي أراد أن لا أتحدث إلا على الجانب الجزائري، فأخبرته بأنني لست زعيم حزب ولا معارضا سياسيا ولا أمثل أي جهة رسمية حتى أتحدث على جهة الجزائر فقط، وهو الذي لم يستسغه لأنه كان يريد مشاركا جزائريا يضع على عاتق بلاده كل شاردة وواردة ويحملها شرور الدنيا كلها.
فاضطر للاستنجاد بالسيد كريم طابو السكرتير الأول لجبهة القوى الإشتراكية، وهو ما حدث بالفعل لما بثّ البرنامج بتاريخ 29/01/2009، وقد حقق له حينها غايته في التنديد بغلق الحدود البرية والمطالبة بفتحها من دون أدنى شرط مسبق.
وأذكر في هذا السياق أيضا أن الجمعيات المغربية التي دعتني للمشاركة في ملتقياتها، أو الأخرى التي تواصلت معي، كانت تفكر بجدية في حشد مسيرة مغربية تنطلق من وجدة وتتجه نحو المركز الحدودي للاعتصام والاحتجاج على غلق الحدود، وإحراج السلطات الجزائرية في المجتمع الدولي. غير أنه يوجد من أفادني أن السلطات المغربية من جهتها لم ترفض ذلك بصفة قطعية، لكنها طالبت بالتريث ودراسة الأمر بعمق، حتى لا يقرأ على أن المغاربة يهجمون على الحدود للهروب من بلادهم، أو يكون مبررا على التصور القاضي بالتأثير البالغ الذي تتعرض له الرباط بسبب الحدود، أو أن ذلك سيزيد في تعكير الأجواء ويدفع الجزائر إلى الإصرار على المضي قدما في موقفها.
العزف النّشاز على أوتار الإسلام
مما لا شكّ فيه أن ديدن الأنظمة الشمولية والمستبدّة هو استغلال كل شيء من أجل التمكين لنفسها، وفي عالمنا نحن الذي يسمى الثالث يتم استغلال فظيع للمقومات سواء كانت لغوية أو دينية أو عرقية، من أجل الاستخفاف بالشعوب وتوجيهها نحو ما يخدم هذه الإمبراطوريات ويطيل في أعمار أزلامها. والمخزن المغربي من أبرز الأنظمة العربية التي تستغل القيم الدينية من اجل الحفاظ على العرش واستمرار هيمنته وحتى دغدغة المشاعر التوسعية نحو آفاق أخرى.
ففي القرن العشرين نسمع بمصطلحات قادمة من أدغال التاريخ، فالملك يطلق عليه أمير المؤمنين، والدعاء الذي يقابل هذه الكنية دوما هو “نصره الله”.. الخ. والذي يهمنا في هذا المقام، العزف النشار على القيم الدينية والروحية من أجل تمرير وتعميق الأطروحة المخزنية فيما يخص قضية الصحراء الغربية، وأيضا بالنسبة للحدود والموقف الجزائري الثابت الذي لم يتغير بالرغم من أنها عرفت 8 رؤساء إلى حد هذه اللحظة، في حين أن المغرب لم يعرف إلا الجد والابن والحفيد فقط. وسنشير لبعض الأمور ولو عابرا، فقد أطلنا كثيرا على القراء وربما أوجعنا قلوبهم بالغوص في هذه الحروب السرية التي يختلقها الجهاز المغربي من أجل إثارة الفتن في الجزائر وتهديد أمنها واستقرارها.
1- العزف على أوتار العروبة والدين والوحدة المغاربية:
ظل المخزن بترسانته الإعلامية، يحاول إظهار المغرب كضحية مؤامرات عديدة ويحمّلون الجزائر القسط الوافر منها، ولأسباب كثيرة وموضوعية قد أشرنا سابقا لبعضها.
ومن أجل تأليب العواطف لدى الشعوب المغاربية وحتى الإسلامية، يلعب أبواقه على أوتار العروبة التي تجمع البلدين الجارين، وكذلك الدين الواحد، وحتى المذهب الذي هم يدينون لربهم به.
كما نرى في كل خرجة من خرجات الملك أو أعضاء حكومته أو ممن تبنّوا أطروحته وحفظوها وتهجدوا بها، يجعلون من الوحدة المغاربية، أو من المغرب العربي، هو الشماعة التي عليها يراد تبرير الكثير من الغايات، وأهمها طبعا تراجع الجزائر في دعم الصحراويين، ولا أحد من كتّاب البلاط وباسم العروبة والدين والأخوة والوحدة المغاربية، تجرّأ وندّد بما يجري في حق الصحراويين من انتهاكات فظيعة، وقفت على بعضها في زيارتي للداخلة ولا يزال قلبي ينزف ألما على هؤلاء.
كما يعمل المخزن ومخابراته على استغلال مشاعر الوحدة وحسن الجوار لأغراض أخرى، لقد ظلت الصحف المغربية تروّج لكل من يدعو إلى التضامن المغاربي والوحدة بين الشعوب، وقد أستغل ذلك كتدليل على أن الصحراويين يهدّدون هذه الشعارات الطنّانة التي يصنعها الملوك من أجل الحفاظ على عروشهم فقط. وطبعا لا أحد تساءل: هل من الممكن أن يتنازل هذا النظام عن عرشه من أجل وحدة مغاربية؟ أكيد أن ما تقدم يهدف من وراءه لإبراز أن المخزن هو نظام وحدوي ويتقي الله في الشعوب المغاربية، وهذا كله من أجل تغذية الروح الدينية لدى هذا الشعوب حتى تدافع عن مصالحه وأطروحاته في المنطقة، والتي هي أصلا تنطلق من عقلية توسعية، تبرر ما لا يبرر، وتتخذ من غير المشروع وسيلة لبناء مشاريع في النهاية تصل إلى الهدف الحقيقي، وهو تحقيق غاية العرش العلوي في بناء إمبراطورية تحت قيادته، وهذا لن يتحقق إلا بتدمير الآخرين وعلى رأسهم الجزائر، وطبعا هو حلم قذر صعب المنال، ويتنافى أصلا مع الشعارات الدينية التي يلهث بها أبواق لا همّ لها إلا رضا سادة البلاط.
2- أطروحة المؤامرات الأجنبية لاستنهاض همم الشعوب الثورية:
إلى جانب ما ذكرنا سابقا، فقد لاحظنا أن المخزن أيضا يستغل أراضيه التي يحتلها الإسبان والتي لم يفعل شيئا يمكن أن نشيد به من أجل تحريرها، وهذا ليظل دائما ذلك البلد الذي يتعرض لمؤامرات أجنبية، ولا شك أنه في كل صولة وجولة نجد هذه الأجهزة تحاول تحميل الجزائر مسؤولية احتلال سبتة ومليلية، وأحيانا يلومونها أنها لم تستغل نفطها ونفوذها ودبلوماسيتها من أجل إجبار المحتل الإسباني على إعادة ما أخذه من المغرب.
لقد ظل المخزن يروج إلى أن قضية الصحراء الغربية هي مفتعلة، ولم يقتصر الأمر على الجار الشقيق، بل تعدّى إلى جعلها مرة مؤامرة دولية على المنطقة المغاربية، وأخرى هي مخطط صهيوني يستهدف تفتيت دول شمال إفريقيا حتى يسهل احتواؤها
الحلقة الرابعة عشرة:النفوذ الصهيوني في المخزن
يذكي ذلك في ظل نقمة شعوبنا الإسلامية على المحتلين وخاصة أننا شربنا كثيرا من علقمه فيما مضى، كما لا نزال نئن منه ونحن نشاهد جرائم الإحتلال التي تفحم أجساد الأطفال في غزة، وتفخخ رفات الأبرياء في العراق، وهذا بلا أدنى شكّ سيشعل لهيب الثورة في الأعماق، والمخزن يستغلّ ذلك داخليا من أجل توريط المغاربة في أطروحاته على حساب القيم والمبادئ، وكما يرمي من خلال ما تقدم تحقيق غايته في تأليب الشعوب على حكامها، وعلى رأس ذلك الشعب الجزائري، ولكن لا أحد صدّق هده الإدعاءات، لأن الكل عرف ما هو خافي من وراء الستائر والحجب.
شبكات في ثياب جمعوية و حقائب دبلوماسية ملغومة
تريد المخابرات المغربية إستغلال العمل الجمعوي والدبلوماسية من أجل كسب الدعم سواء على المستوى الشعبي أو على المستوى الرسمي في العالم، وقد كان المخزن من قبل يحظر العمل الجمعوي فيما يخص قضية الصحراء الغربية، التي يراها خطّا أحمرا أوكل أمرها للقصر الملكي وجهاز المخابرات فقط.
ولكن في السنوات الأخيرة وفي ظل ما سمي بـ “العهد الجديد” الذي رفعه الملك محمد السادس، فتح المجال لتأسيس جمعيات وبتموين من الديوان الملكي، وتعتني هذه الجمعيات بنشاطات في الصحراء لأجل تحقيق ثلاث غايات أساسية، الأولى هي حشد الجماهير الصحراوية لمناصرة الأطروحة المغربية، والثانية هي خلق ما سميت بالدبلوماسية الموازية من أجل التسويق الإعلامي لما يخدم أجندة المخزن، والثالثة تتعلق بخلق بدائل أخرى في ظل العمل الجواري من أجل الاقتراب من مشاكل الصحراويين وممارسة ما يشبه الابتزاز والمقايضة، لشراء ذممهم وفق تأمين الحاجيات الحياتية أو أشياء أخرى تدخل في هذا الإطار.
أما العمل الدبلوماسي فيلعب على أوتار عديدة، تعمل أساسا على خلق تكتلات في الخارج، وأيضا مراقبة الصحراويين ومحاولات توريطهم في أعمال تتنافى والقوانين السارية المفعول، من أجل الإضرار بسمعتهم وبقضيتهم المقدسة والرئيسية. ونشير في هذا الإطار لبعض النقاط الأساسية والهامة.
1 – عدم اليأس لخلق منظمات في الداخل تناهض الصحراويين:
كما اشرنا إلى ظاهرة العمل الجمعوي في الداخل الصحراوي، وأغلب المؤسسين هم مغاربة جرى توطينهم في الصحراء لحسابات مختلفة، فقد قرأنا عن الصحراويين الوحدويين، كما علمنا عن جمعيات تدافع عن “مغربية” الصحراء، كما سمعنا بجمعيات أخرى تهتم بشؤون القرى والبدو الرحل… الخ.
وفي الوقت نفسه أن هذه الجمعيات المتسترة تحت تسميات ضخمة وكبيرة ورنانة، هي في الأصل تناهض جبهة البوليزاريو فقط، وتعمل ما في وسعها من أجل محاصرة وجودها وإجتثاثها من أعماق الصحراويين. وقد عجزت المخابرات المغربية أن تصنع جمعية واحدة يرعاه صحراوي حر، فإن وجدت جمعية يترأسها من هو صحراوي في أصله، فالكل في المنطقة تجدهم يجمعون على أنه مجرد مرتزق ومحتال، يتاجر بالقضية لتحقيق غاياته في الثراء، وخاصة أن المخزن يضخ أموالا باهضة لتغطية مثل هذه النشاطات، التي يحاول أصحابها توريط الأجانب مرة باسم حقوق الإنسان وأخرى باسم الوحدة المغاربية … الخ. ولا تزال المخابرات المغربية تنشط في الصحراء الغربية وبأساليب مختلفة من أجل تحقيق الغاية المثلى وهي تجنيد صحراويين في نشاطات جمعوية مشبوهة مناهضة لجبهة البوليزاريو، وخاصة تلك الشخصيات المنحدرة من قبائل قوية وكبيرة ولديها النفوذ والسطوة.
2 – تشويه الواقع الاجتماعي للجزائريين واللعب على أوتار الدعم المالي للبوليزاريو:
من جهة أخرى تركّز وسائل الإعلام المخزنية وبإيعاز من المخابرات على تناول الواقع الاجتماعي للجزائريين، حيث تبالغ في تصويره إلى حد لا يمكن تخيله، وحتى في الملتقيات التي تقام والمداخلات التلفزيونية التي نراها ونسمعها، نجد أغلبهم يتباهون بالواقع الإجتماعي للمغرب، وطبعا يغرقون في المديح والتذلل للسياسة التي توصف بالرشيدة لعهدهم الجديد، في حين يقدحون في الواقع الإجتماعي للجزائريين، وبما يعانونه من فقر وبطالة… الخ.
كما رأينا أنهم يعطون أرقاما عن الأموال التي تقدمها الجزائر كمساعدة وتموين لجبهة البوليزاريو، تباينت الأرقام وتناحرت النوايا والمقاصد من 300 مليار دولار إلى 200 مليار دولار إلى 150 مليار دولار… الخ، وكل من يتفرغ إلى قرطاسه وقلمه ليشبع نزوته في سب وشتم البوليزاريو يسدي أرقاما ومعطيات، ليبالغ في شأنها ويحاول إظهارها أنها من مصادر مطلعة وموثوقة.
وآخرون يتّخذون مقام الصالحين لرأب الصدع ومن دون موازنة موضوعية، كما هو الأمر مع الوزير الأسبق محمد العربي المساري الذي زجّ باسمي في مقاربة محفوفة بنوايا مترهّلة، بجريدة “الشرق الأوسط” العدد 11124 الصادر في 15/05/2009.
المهم بغض النظر عن الرقم الصحيح أو الخطأ، وبغض النظر عن أبعاد ذلك، وتجاوزا للدور الذي تلعبه الجزائر في دعم المضطهدين سواء في غزّة أو العيون أو مخيمات تندوف، إلا أن الهدف الحقيقي من وراء الخوض في واقع شعبنا والزجّ بالأرقام يهدف من وراءه إثارة فتنة فقط، وتأليب الجزائريين ضد الدعم الجزائري لقضية الصحراء الغربية، حتى أن أحد “المثقفين” المغاربة أكّد لي أنه لا يمكن إجبار الجزائر حتى تتراجع عن موقفها من الصحراء إلا بثورة شعبية عارمة، ولا يمكن الوصول إلى هذه الثورة إلا بإثبات وبالدليل الأموال التي يتميز بها الصحراويون من الخزينة العمومية.
وأعتقد أن هذا الرهان لم يفلح أساسا، فالجزائر تعترف دوليا بدعمها للجبهة كممثل للصحراويين في تقرير مصيرهم، كما تنافح عن ذلك في المجتمع الدولي، وهي التي تأوي اللاجئين على ترابها جهارا ونهارا.
ولو تجوّلنا في الصحف المغربية لوجدناها لا تخلو يوميا من أخبار عن الفقر والبؤساء وغلاء الأسعار وتدهور القدرة الشرائية والرشوة والفساد في الجزائر، وحتى المنتديات وشبكات التواصل الإجتماعي تتلقف تلك الأخبار التي تنقلها الصحف الجزائرية من حين لآخر.
وتجد الجدل القائم بين المغاربة والجزائريين عن مغزى الدعم للصحراويين وتجاهل الفقراء من أبناء الوطن، ولكن أغلب الذين يردون على شبهات “المخازنية” المجنّدون على الأنترنيت، بأن “الجزائريين أصحاب ثورة عملاقة مستعدون للموت جوعا من أجل دعم الشعوب المحتلة في الصحراء الغربية وفلسطين والعراق” كما قال أحدهم.
وردّا عن سؤال عن الإهتمام بالصحراء الغربية أكثر من فلسطين، أجاب آخر: “الصحراء الغربية على حدودنا ونحن أولى الناس بالدفاع عن شعبها المحتل، وفلسطين لو كانت في مكان الصحراء الغربية وهذه الأخيرة في مكان فلسطين لكان الأمر نفسه”.
بل أن “كاتب” أشار في أحد خزعبلاته من أنه لا يمكن ثني النظام الجزائري عن موقفه إلا بثورة شعبية، ولا تتحقق هذه الثورة إلا بحرب أهلية جديدة، لن تكون بين الإسلاميين والعسكر، بل يجب أن تنشب بين طرفين متناقضين في مواقفهما تجاه قضية الصحراء. ليحاول أن يذهب في ترهاته من أن هذا الأمر سيتحقق قريبا في ظل الأزمة الإجتماعية والفقر والبطالة والأمراض المزمنة التي يعاني منها الشعب الجزائري بالرغم من مداخيل النفط الخيالية. ثم يذهب إلى مربط الفرس وهو دعم الجبهة بالمال والدبلوماسية على حساب الفقراء والمساكين على حد تعبيره المخزني الواضح، ومتجاهلا في كل ذلك واقع المغاربة الذي لا يمكن تخيله وصلت حدّ الأعراض والشرف، وهو الذي يحتاج إلى حلقات مستقلة.
3 - كسب الدعم الدولي ولو على حساب قضايا الأمة الكبرى:
بنظرة واعية إلى واقع المخزن المغربي فإننا نجد مدى النفوذ الصهيوني في دوائره، حتى أن الملك الحسن الثاني ثم محمد السادس، اتخذا مستشارا يهوديا يضمر بلا شك عداءه لقضايا أمتنا، ويتعلق الأمر بالمسمى أندري أزولاي الذي إفتخر أنه يتمتع بكل معاني المواطنة في المغرب وذلك في حديث أدلى به لقناة العربية في سبتمبر 2007.
والذي قال أيضا: “اليهود هم من الركائز التي تتكون منها الأمة والشعب والدولة المغربية، إذاً أنا في وطني وأنا جزء من المشهد التاريخي والإنساني والديني في الآن نفسه”.
ومن دون أن نخوض في تاريخ اليهود بالمغرب سواء في عام 586 ق.م منذ ما يسمى خراب الهيكل الأول، أو في 1492 عند طرد العرب واليهود من الأندلس والذي قدّر عددهم 200 ألف، أو من البرتغال في 1497 بعد التنكيل بهم هناك.
لكن نؤكد على أن المخزن يراهن على علاقات حميمة وسرية وتجارية مع الكيان العبري من أجل الدعم الدولي في قضية الصحراء الغربية، حتى أن مصادر إعلامية أكدت أن المغرب قبل باستقبال القاعدة العسكرية الأمريكية “أفريكوم” على ترابه وبالضبط بالقرب من مدينة طانطان المتاخمة للصحراء الغربية، والخبر سربه تقرير أمريكي في 2008، نشرته صحيفة “أفريكا أنفو ماركت”، وقد ورد في التقرير من أن 50 مهندسا جويا حلّوا بطانطان، وهم عناصر المجموعة المسماة (SEABEES) – ومعناها نحل البحر- وتنتمي إلى الفرقة الأمريكية المتنقلة رقم 1، وذلك قصد الإشراف على وضع الآليات العسكرية بمقر القاعدة العسكرية المتفق على إنشائها.
أما بخصوص التكلفة، فقد أفاد التقرير أن القاعدة كلّفت البنتاغون أموالا طائلة، منها 4 ملايين دولار رصدت لتعبيد الطريق الموصلة إليها، ولإقامة حقل للتدريب على الرماية وتشييد أبراج المراقبة وتجهيزات أخرى للتدريب العسكري. كما أن موقع “ميكانوبوليس”، يكشف بوضوح من أن المغرب قد وافق سريا منذ نهاية يناير 2008 على احتضان قيادة “أفريكوم”.
وبغض النظر عما يحتويه هذا الملف من خفايا وأسرار ستطفو للسطح يوما ما، إلا أن المراقبين الذين تابعوه عن كثب، أكدوا من أن قبول القاعدة العسكرية على التراب المغربي وعلى مقربة من الصحراء الغربية، هي مقايضة واضحة لأجل تدعيم الأطروحة المغربية لحل القضية وبضغط أمريكي خاصة على الجزائر، وطبعا هذا يتناقض مع مواقف الدول الإفريقية والمغاربية الرافضة للتدخل الأجنبي عبر مبرر مكافحة الإرهاب، ومن أبرز الدول التي ترفض التدخل الأجنبي هي الجزائر، والمخزن وكعادته يسعى لإحراج الجزائر في المجتمع الدولي، حيث تراه يوافق على كل ما ترفضه ولو كان على حساب قيم الأمة ومقدساتها.
وعن دور إسرائيل في تاريخ المغرب، نجد الكاتبة الفرنسية من اصل يهودي، آنياس بنسيمون، مؤلفة كتاب (الحسن الثاني واليهود)، كشفت في تصريحات لبرنامج “الملف” الذي بثته قناة الجزيرة بتاريخ 10/09/2010، من أن إسرائيل ساعدت الملك المغربي الراحل في كشف مؤامرة الجنرال أولفقير للإطاحة به، أو حتى اغتياله وهو ولي للعهد عام 1960 كما ورد في كتابها، كما أضافت من أن إسرائيل ساعدت الحسن الثاني عسكريا في حرب الرمال ضد الجزائر عام 1963، مما يعني مدى تغلغل اليهود حتى في أعلى دوائر القصر والجيش المغربي، وفي السياق نفسه أكّد المؤرخ الإسرائيلي ييغال بن نون أن عام 1963 هو بداية العلاقات بين الكيان العبري والمخزن، مما يعني إن كان تقديره الزمني صحيحا، أن الصفقة جاءت على حساب الجزائر.
من جهة أخرى، ظهرت بوادر أخرى منها “صهينة القضية الأمازيغية” من خلال نشاطات أحمد الدرغني زعيم ما يسمّى “الحزب الأمازيغي” الذي قالها صراحة بأن الصهاينة أفضل من العرب، وقد واجهته في برنامج “ملفات مغاربية” على قناة العالم في 03/03/2008، وعندما أحرجته بصور وتصريحاته وممن هم معه، تجرأ على ما يضمر في أعماقه، تجاه العرب في المنطقة. وقد أكد لي متابع للشأن الأمازيغي في المغرب، من أن الدغرني يتحرك وفق أجندة مخزنية مرسومة معالمها سريا. وهذه القنوات نحو تلّ أبيب هي بدورها تعمل وفق تصور لاحتواء الأمازيغ في الجزائر وخاصة دعاة ما يسمى الحكم الذاتي ممن يتزعمهم المغنّي فرحات مهنّي، وهذا الذي سبق وأن أشرنا إليه بناء على ما تداولته وسائل الإعلام، بل أن مهنّي نفسه أكد في كتابه “المسألة الأمازيغية”، أن المستقبل الذي تحلم به منطقة القبائل مع إسرائيل، وأن حركته المسمّاة “الماك” تعمل على التطبيع مع الكيان الإسرائيلي.
كما أن المغرب قطع علاقاته مع إيران بمهماز أمريكي وبرر ذلك بالمد الشيعي في بلاده، وأيضا ما فعله مع فنزويلا التي وقف رئيسها مع غزّة في ظل الإبادة والهولوكست الذي تعرضت له مؤخرا.
4 – تشويه الجزائر ومحاولات خائبة لتقليم أظافر جبهة البوليزاريو لدى المجتمع الدولي:
يعمل جهاز المخابرات المغربية عبر أذرعه المختلفة سواء كانت إعلامية أو حقوقية أو جمعوية أو سياسية أو دبلوماسية من أجل تشويه الجزائر في المجتمع الدولي، وقد سبق وأن أشرنا لجوانب مختلفة في هذا المجال، إلا أن أخطر ذلك ما تقوم به وسائل إعلامه التي ظلت لا تهتم إلا بأخبار القتل والإنتحار والذبح والتفجيرات الإرهابية، وهذا من أجل أن تبرز الجزائر كدولة غير آمنة وأنها مصدر الإرهاب الدولي، ولما لم تفلح خلال العشرية الدموية من إلحاق أدنى شبهات بجبهة البوليزاريو، إلا أنها تعمل الآن من أجل تحقيق هذه الغاية، فنسمع من أن البيوت القصديرية والأحياء الشعبية الفقيرة هي بؤر لنمو التطرف والتشدد السلفي، وأيضا يراهن المخزن على جعل مخيمات اللاجئين في تندوف هي مصدر آخر للإرهاب، وهذا من خلال البحث عن أدنى دليل مادّي يمكن من خلاله إقناع الدول الكبرى بهذا المسعى، ولم تفلح على الإطلاق لأسباب كثيرة أهمها أن الصحراويين تفطّنوا لهذه الحيلة الماكرة وسدّوا المنافذ كلها على الصعيد الدولي والإفريقي والمغاربي
الحلقة الخامسة عشرة والإخيرة:استعمال قذر للثقافة والفن والفكر
5- إنشاء مشاريع لإدماج المغاربة أو العرب في الخارج:
إضافة إلى تحقيق غايتها التي أشرنا إليها سابقا، فالمخزن يعمل على صعيد إدماج المغاربة والعرب وحتى الصحراويين إن أمكن ذلك في أطر مشاريع سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية من أجل ضمان ولائهم لأطروحاته. كما أن ذلك يسهل على المخابرات اختراقهم والتجسس عليهم وتوجيههم بطرق ماكرة نحو ما يرمون إليه.
وقد انكشف أمر الجهاز في مواقع مختلفة، آخرها -مثلا- ما حدث في مطلع سبتمبر 2010 لما أدانت محكمة هولندية بـ 240 ساعة عمل للصالح العام، ضابطا سابقا من اصل مغربي، بتهمة التجسس على مواطنين من أصله لصالح المخابرات المخزنية، وقد انكشف أمره في 2008، أدى ذلك إلى طرد عنصرين من الجهاز من لاهاي، بعدما احتجت الحكومة الهولندية على عملية التجسس هذه.
وقد عمل الضابط مع شبان مغاربة في روتردام وكان صاحب المبادرة في إقامة مشروع يروم إلى إدماج الشباب المغربي في الحياة العملية الهولندية، وتمكينهم من تكوين متخصص يؤهلهم للعمل في مطار أوتردام.
وقد اختار اسم “ماكسيما” لمشروعه، تيّمنا بعقيلة الأمير ويليام ألكسندر ولي عهد هولندا، وعند تقديم هذا المشروع في فيفري 2008، تمّ تعيين هذه الأميرة سفيرة له، والتي بدورها نوهت به وبصاحب المشروع. وكان هدف المخابرات المغربية ليس الحصول على أسرار هولندية بل الأمر يتلق بنشطاء مغاربة في الحقل الديني والحقوقي والسياسي في هولندا. كما أن جلسة المحاكمة كشفت عن الضغوطات التي يتلقاها المتهم كلما يزور المغرب صيفا، وأجبر على التعامل مع الجهاز المغربي.
6 – محاولات لتوريط الجزائريين في الشغب والفوضى والجريمة المنظمة:
تعرف الضواحي الباريسية ومناطق أخرى من فرنسا فوضى وشغبا وحتى جرائم تقدم عليها شبكات مجهولة في كثير من الأحيان، وهذا من أجل إشعال فتيل المواجهات ما بين الشرطة الفرنسية والمهاجرين، والغريب أن أغلب المناطق التي تشهد مثل هذه المواجهات هي تلك الأحياء التي تسكنها الأغلبية الجزائرية، في حين الأخرى التي يتواجد بها المغاربة بكثافة لا تعرف إلا أحداثا طفيفة وعابرة، وتشير مصادر مطلعة إلى أن الأحداث لا تأتي بعفوية ولا جزافا، بل هي مخططة ومنظمة، وتستهدف الجزائريين أولا وقبل كل شيء.
والمتابعون لشأن هذه الأحداث، ومن دون الرجوع إلى أسبابها الأخرى التي تتعلق بالداخل الفرنسي، فإن البعض يراها مخططات تريد تحطيم سمعة الجزائريين في الخارج حتى لا يكون لهم أدنى تأثير.
ولو تتبعنا من جهة النشاط الديني، سنجد المغاربة ممن يعمل أغلبهم في أطر يرعاها المخزن، قد غزوا المساجد في أوروبا من أجل السيطرة على هذه المراكز التي يكون لها التأثير البالغ على الجاليات، ومن خلالها يتم توجيهها نحو أفق تدرك المخابرات كيفية استغلاله في المراقبة والاختراق والسيطرة على المبادرات سواء كانت ذات أبعاد سياسية أو مدنية أو دينية… الخ.
7 – إثارة الفتنة بين الجزائر والدول الصديقة:
لقد ذكرنا الكثير فيما تقدم ونحن نغوص في أغوار هذه الحروب السرية التي تخوضها المخابرات المغربية ضد الجزائر، دولة وشعبا، تاريخا وحضارة، ماضيا وحاضرا ومستقبلا، فكرا وسياسة، عسكريا ومدنيا… وهنا تجدر الإشارة إلى أمر هام، هو سعي هذا الجهاز إلى إثارة الفتنة بين الجزائر وكثير من الدول الصديقة، ولم تسلم حتى الدول المغاربية نفسها.
فقد روج الجهاز عبر موقعه المسمى “الجزائر تايمز” لما نشر بتاريخ 20 / 04 / 2010 من أن المعارضة الموريتانية تخطط لقلب نظام حكم الرئيس محمد عبد العزيز بدعم جزائري، وقد أثار الخبر جدلا في الصحافة الموريتانية خصوصا، وأجرى الصحفي المهدي ولد المرابط حوارا معي بتاريخ 26 / 04 / 2010، نشره في عدة منابر بخصوص هذا الموقع والموضوع المشار إليه، وأكدت له أنه تديره المخابرات المغربية، مما دفع صحفا مختلفة إلى توجيه الاتهامات لهذا الجهاز الذي يريد “دقّ إسفين في العلاقات الجزائرية الموريتانية” كما علق موقع “الحصاد” الموريتاني بتاريخ 22 / 04 / 2010.
وظلّ هذا الجهاز عبر موقعه المشار إليه، يلحّ على إثارة الفتنة مع موريتانيا، وآخر ما ذهب إليه هو تقرير نشره بتاريخ 02 / 09 / 2010 حاول محرره في دوائر المنصوري الخفية، من أن العملية الانتحارية التي استهدفت قيادة المنطقة العسكرية الخامسة بمنطقة النعمة على الحدود الموريتانية المالية، في 25 / 08 / 2010، هي من تدبير جزائري كرد فعل على تسليمها للمدعو عمر الصحراوي لمالي، والذي من خلاله أنقذ الرهينتين الإسبانيين ألبرت فيللتا وروكي بسوكال، وتم إطلاق سراحهما وبدفع فدية أيضا تباينت الأخبار في قيمتها، وقد قدرتها صحيفة “الموندو” الإسبانية بـ 7 ملايين أورو.
روّج لهذ الكذب بالرغم من أن منفذها موريتاني يدعى إدريس ولد يرب والتحق بمعاقل “القاعدة” في 2005، وتبنّاها التنظيم المذكور في بيان عبر مواقعه في الانترنت مطلع شهر سبتمبر 2010 وهو الذي كشف عن هوية هذا الانتحاري.
بالطبع الصحافة الموريتانية لم تهتم بهذا الأمر غير المؤسس والكاذب الذي لا يمكن أن يخطر على ذهن عاقل، فضلا عن أنهم عرفوا حقيقة الموقع الذي ينتحل تسمية جزائرية وهو يدار بين الرباط ونيويورك، وتحت إشراف مباشر من جهاز المخابرات المغربية.
وطبعا لن يقتصر الأمر على موريتانيا التي فضّلت الحياد في شأن الصحراء الغربية، بل ستتعدّى إلى دول أخرى، والهدف الأول والأخير هو نيل ولو تزكية عابرة لأطروحة المخزن في الصحراء الغربية المحتلّة.
ثقافة للاستغلال وتاريخ لم يسلم من الاستحلال
تستعمل الثقافة والفن استعمالا قذرا من أجل تحقيق الغايات التي يعمل من أجلها جهاز المخابرات، كما أن التاريخ بدوره يجري التلاعب به في الكواليس وفي العلن أيضا، وفي ظل هذه الازدواجية بين المعلوم المبطن في التعامل مع الشأن الجزائري، نرى ما لا يمكن تصوره من العبثية المطلقة التي تجعل من الأطماع مبررا لأفعال تتنافى والقيم الإنسانية والتاريخية والإيديولوجية والثقافية والفنية، وحتى أخلاق رجال الدولة والدبلوماسية، حيث نرى أن ما يأتي على ألسنة المسؤولين في خرجاتهم المدروسة مسبقا، لا يمتّ بصلة إلى ما هو خفي ويتحرك في الظل وفق رؤية استخباراتية قذرة للغاية.
ومن أجل تقريب المفاهيم والمعطيات للقارئ الكريم، نرى من الضروري أن نشير باختصار شديد، إلى محاور هي بالتأكيد غير كافية في سياق ما يمكن تناوله بخصوص هذا الشأن، ولكن وفق مقاربتنا لشأن المخابرات المغربية، تفرض نفسها علينا وبإلحاح شديد للغاية.
1 – الملتقيات الفكرية والأدبية والمهرجانات الفنية:
يحاول المخزن من خلال المهرجانات الفنية والثقافية وخاصة تلك التي يحضرها جزائريون، الترويج لأطروحته، عبر بعض السلوكيات والتصرفات، من مثل الالتحاف بالعلم المغربي أو النداء بما يسمى “مغربية الصحراء”، وقد تورّط بعضهم كما جرى مع مطرب الراي رضا الطلياني، أو محاولات أخرى استهدفت الشاب خالد… الخ، وكل ذلك من أجل الدعاية لأطروحته المتآكلة، وذلك باستغلال شهرة المطربين أو الفنانين أو الممثلين أو الكتّاب والشعراء.
كما أن بعضهم حسب المعلومات التي بحوزتي قد تم إجبارهم عن طريق ابتزازهم، حيث تورطوا مع عاهرات أرسلن خصيصا لهذه المهمة، حيث تجد الغرفة التي يسكنها الضيف مجهّزة بكاميرات سريّة، ويجري تصوير اللقاء وكل ما يحدث.
وقد حاولوا استدراجي بهذه الطريقة حيث أرسلوا لي بنات وكنّ في قمة أنوثتهن وجمالهن، بل سلمت لهم غرفا بجواري، ولكنني طردتهن لما قصدنني في الغرفة، وأيضا حاولن التحدث معي في المطعم، فأخلاقي لا تسمح لي بالتورط في مثل هذه الانحرافات المحرّمة، فضلا عما كنت أعرفه عن مهمة هؤلاء الفتيات.
2 – نشر الكتب والدراسات والتحقيقات المناصرة للأطروحة المغربية:
لو تجولت في المكتبات المغربية لوجدت منشورات وكتبا ومذكرات ودراسات كلها تروج لمغربية الصحراء، أو أنها تمجّد العرش العلوي وتشيد بالحكم الذاتي، وقد علمت من مصادري أن المؤلفين يتلقون دعما بالنشر والتعويض والأجر، لجل هذه المساهمات ولو بتزوير التاريخ والتلاعب بالقانون الدولي. ولا يسمح بنشر أي شيء يتعارض والتوجهات المخزنية، ولو كانت موثقة بالقوانين والأدلة والبراهين الساطعة التي لا تشوبها أدنى شائبة.
3 – تزوير التاريخ المتعلق بالصحراء الغربية ومصادرة الآثار التي تؤكد زيف الأطروحة المغربية:
من أخطر ما عمل المخزن عليه أيضا، منذ مسيرته التي وصفها بالخضراء، هو السعي الحثيث من أجل إلغاء الشواهد التاريخية والآثار وكل الدلائل التي تدحض أطروحته في الصحراء الغربية، أو تكشف زيف ما يعمل من أجل تثبيت أقدامه في هذه الأرض، وأكّد لي الكثيرون من أن الصحراء الغربية ومتاحفها وما تملكه من تراث ثقافي كبير قد تم احتواؤه وتزويره ومحوه من الوجود بطرق تدينها القوانين الدولية، حتى لا يظل إلا ما يخدم الغزو المغربي الذي طال كل شيء.
فالكتب والصحف الموجود بمكتبات العيون أو الداخلة أو السمارة أو غيرها كلها تصب في إطار ما تسمى “مغربية الصحراء”، بل أكد لي صحافيون ممن يقدمون أنفسهم كباحثين في شؤون القضية المعقّدة، من أنه لم يجدوا دليلا ماديا سواء ما يتعلق بالآثار أو المخطوطات أو المنشورات التي تقرّ حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، ولما أخبرتهم من أنها قد تمت مصادرتها ومحوها ونقل حتى شواهد أخرى من الشمال إليها، أنكروا ذلك حتى وإن برروا أنه واجب على الدولة حماية ذاكرتها وتراثها وبأي طريقة كانت.
علمت من مصادر مختلفة، أن المخابرات المغربية فتشت بيوت الصحراويين وصادرت ممتلكاتهم وأحرقت الصور والشواهد التي تدين المغرب كثيرا جدا، وقد علق أحد الصحراويين في الداخلة من أن ما يجري عندهم لا يختلف إطلاقا عما يجري في فلسطين باستهداف القدس ومحاولات إظهار الهيكل المزعوم، أو ما يحدث في العراق ومتاحفها وآثارها العظيمة. 4 – التطاول على تاريخ الثورة الجزائرية والتشكيك في الشهداء:
لم يسلم تاريخ الثورة الجزائرية من التطاول والتجنّي الذي لا سبق له، فقد ادعى المخزن أنه لولاه ما حقق الجزائريون استقلالهم، وظهرت الكثير من المحاولات لإبراز فرضية وهمية لا أصل لها ولا فصل، مفادها أن الاستقلال الجزائري جاء بدعم من الملك محمد الخامس ومجاهدين مغاربة، وطبعا نحن لا ننكر أبدا دعم الشعوب المغاربية الشقيقة لثورتنا، ولكنها ليست بتلك الصورة التي يريد أبواق المخزن إبرازها، وهذا من أجل التمني الذي لا فائدة ترجى منه.
هذا بغض النظر عما يلاك من ترهات لا أساس لها في تاريخ المنطقة، فقد راحوا مؤخرا يروّجون لبعض الشوائب التي تطفو على السطح والتي يراد منها المساس بأقدس ثورة في العصر الحديث، كما قرأت في كثير من الصحف الترويج المبيت بنوايا سيئة لأطروحة عضو مجلس الأمة الأسبق جمال الدين حبيبي الذي شكك في عدد الشهداء، وأيضا النائب في البرلمان نورالدين آيت حمودة نجل عميروش.. وهذا كله من أجل إشفاء غليل الحقد الذي يحرق أعماق المخزن وأذنابه، فلما فشل في كل الخطط التي تحدثنا عنها من قبل، راح يلعب على أوتار القيم والمقدسات عساها أن تؤتي أكلها.. فأنّى لهم.
كلمة لا بد منها في الختام
لقد حاولت أن أختصر بقدر الممكن وتفاديت الغوص في الماضي السحيق، لأنني لو فعلت ذلك ما كفتني مجلدات، لأن المستور قذر والملفات ساخنة وكثيرة تتجاوز حدود المعقول، ولو استرسلنا في قطاعات أخرى كالاقتصاد والاستثمار والسياحة والرياضة والتربية والجامعات، وأيضا الأعمال الإنسانية الأخرى، لوجدنا أنفسنا أمام واقع مؤلم ومخزي وهالة من التناقضات والخفايا التي ينام عليها هذا الجهاز المخزني، الذي تحول إلى مجرد دائرة استخباراتية لا شغل لها سوى الجزائر وجبهة البوليزاريو، وكأن ما يهدد أمن المغرب قد أفلح في ترويضه والقضاء عليه.
في ختام هذا البحث الذي عرّى الأشياء بتجربة صحفية شخصية رعتها “الشروق”، نرى من الضروري أن نؤكد على ما كان محلّ نقد عندنا، وهو هاجس المخابرات الذي صار مرضا مزمنا لكثير من التيارات والأحزاب وحركات المعارضة، وكذلك السياسيين والمفكرين والإعلاميين، ولكن ما جرى مع شأن المخزن، لم نجد ما يمكن من خلاله استبعاد هذه الجهاز من أمر الواقع الذي صار يسيطر على حركية كل الأشياء، مهما كان نوعها أو لونها أو طعمها. حتى خلت نفسي أنني أتعامل مع ثلاثية تتكون من: أرض وشعب ونظام، تخضع لشيء واحد هو جهاز المخابرات، والذي يجمع بين فصائل هذه الثلاثية ويحرك التصورات ويغذي الأطماع والغايات والأهداف، هو شيء واحد ينبع من تفكير استخباراتي محض، يصور الكل مجرد خصوم هدفهم تصفية الآخر وفق وسيلة الاختراق والاختراق المضاد.
أتمنى أن أكون قد وفقت إلى حد ما في تأطير الإشكالية بناء على معطيات استغرقت أكثر من ثلاث سنوات من الصبر على ما لاحقنا من اتهامات، ومن التجلّد على المفاجآت التي كانت تباغتنا من حين لآخر، ومن المغامرة التي تعني الاستعداد المطلق للسفر إلى ما وراء الشمس في أي لحظة.
لقد كنت صحفيا وكاتبا أبحث عن الحقيقة وبطريقتي الخاصة التي فرضها عليّ الطرف الآخر من حيث يعتقد أنه في الطريق الصواب، كما أنني لم أكن يوما رجل مخابرات ولا واليت أي جهاز فوق الأرض، بالرغم من أنني في غفلة من الزمن وجدت نفسي في قلب عاصفة هوجاء وإعصار مثير، لمخابرات ذوّبت خصومها في الحمض ودفنت معارضيها في سجون سرية لا تتسلل لها حتى خيوط الشمس ولا حتى أضواء المصابيح
بالتأكيد ستكون لنا عودة إلى شؤون أخرى عندما يقتضي الأمر وفي وقتها المناسب. وفي الأخير أؤكد على أنه في حال تعرّضي لأي مكروه فإنني أحمّل المسؤولية للطرف المغربي، وخاصة أنني تلقيت تهديدات كثيرة واتهامات مختلفة منذ الشروع في نشر تحقيق الداخلة ولا تزال مستمرّة، كما أن التسجيلات التي قد تبثّ فأنا أبرأ منها لأن مهمتي كانت تقتضي أحيانا التنازل في كثير من المواقف، ومجاراة الطرف الآخر حتى يتحقق المراد… وهذه هي ثمار ذلك العمل

عن الكاتب :

شاب مغربي أحب كل جديد في عالم الانترنت من مواقع وبرامج واحب التدوين ودائما ابحث عن الجديد لتطوير مهاراتي في مختلف الميادين التي تعجبني لكي انقل معرفتي وتجاربي لآخرين حتى يستفيدوا بقدر ما استفدت انا ;)
الموضوع السابق :إنتقل إلى الموضوع السابق
الموضوع التالي :إنتقل إلى الموضوع القادم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

your widget

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

انضم إلينا