
كيف تصبح بوقاً للنظام؟
ليس المعني بهذه الكلمة بالطبع تلك الآلات النافخة التي يستعملها العازفون في الفرق الموسيقية، ولا تلك الكتل المعدنية الموضوعة في مقدمة السيارة لتنبيه الناس الساهين اللاهين الشاردين في شؤون حياتهم الممتلئة بالمنغصات، والمستعملة أحياناً أخرى في التلطيش العصري على طريقة الشباب 'الشفيطة'
وإنما نقصد بهذه الكلمة فئة من الناس توجد في كل زمان ومكان، وبتسميات مختلفة، وتقع على عاتق هؤلاء 'النفيخة' مهمة النفخ في بعض الأسماء المحنّطة، ولغايات مختلفة حسب تسلسل قيمة 'المنفوخ' وحسب وضاعة ووصولية ونفاق 'النافخ'..!!
فقد يتخذ 'النافخ' لنفسه خطة منهجية لتلميع وتكبير صورة بعض أقاربه الذين أدركتهم حرفة الأدب ممن لا يزيدون في ميزان القيمة الأدبية عن مستوى حمل أقلام ركيكة لا تمل من رصف الكلام كيفما اتفق،هذا النوع من 'النفيخة' يحشرون أقاربهم الجهابذة في كل موضوع ينشرونه، حتى لو كان الموضوع عن ثقب الأوزون، أو انتحار الأدباء، أو الحيوانات المهددة بالانقراض...!
والصنف الثاني من 'النفيخة' هم الأكثر شيوعاً في كل زمان ومكان، وهم الذين ينفخون في قرب مصالحهم المقطوعة، ويستعملون النفخ كوسيلة لتمتين روابطهم الشخصية مع 'المنفوخ' رغبة في نيل الحظوة التي تفتح أمامه بعض البوابات المغلقة التي تشبه أبواب مغارة علي بابا التي لا تفتح إلا بتعاويذ سرية لا يعرفها إلا القلة القليلة من الشطار.
وثمة صنف ثالث من 'النفيخة' تمشي على مبدأ..أنفخني.. أنفخك..!
هؤلاء يتمتعون بمواقف مبدئية نسبياً،وتقوم مواقفهم على رد الجميل 'النفخيّ ' واحدة بواحدة، وهم كثر يظهرون فجأة على الفضائيات، ويغدون نجوماً بين أزمة وضحاها، بل ربما يشكلون الغالبية العظمى من الناعقين على الفضائيات.
أما إذا حدث ـ لا سمح الله ـ وخرج كاتب ما عن سياسة النافخ والمنفوخ هذه، كأن يخلص لصوت الضمير والعقل ويتناول مزايا وعيوب العمل الأدبي بعقلية نقدية محايدة، فالويل...ثم الويل له..!
وما على هذا المتلفسف إلا التوبة، وإعلان الوقوع في المناطق المحظورة، وطلب الصفح والمغفرة، وتقديم طلب رسمي إلى إحدى الجهات المنظمة لدورات محو الأميّة الأدبية.
وفي مثل هذا المناخ 'التنفيخي' نستغرب الآراء التي نطالعها في دورياتنا وصفحاتنا الثقافية، والتي لا تمل من الشكوى من غياب النقد الجاد، واضمحلال المشاريع النقدية، ولو قدر لهؤلاء المشتكين الاطلاع على حياة أحد النقاد المحايدين... لعرفوا السبب.. ولبطل العجب..!
أما عن التبويق السياسي فحدث عنه ولا حرج، ويكفي أن تلقي نظرة على إحدى جلسات مجالس (الشعب) العربية حتى تجد التعريف الأمثل لكلمة الأبواق، التي لا تنفخ إلا على مزاج المنفوخ له، وهذه المجالس الكاريكاتورية لها علاقة بكل شيء إلا بالشعب، ولكن الحق يقال انها أصبحت من الأكاديميات المرموقة في تخريج الأبواق، بحيث صارت تضاهي أكبر جامعات العالم، أحد الخبثاء اقترح مرة لتوفير الهدر في المال العام ولتوفير السيارات والبيوت والبذات الأنيقة التي تعطى لأعضاء تلك المجالس الكاريكاتورية، أن يُستورد عدد من الببغاوات لملء المجلس، وبهذا لا نحتاج إلى مصروف ولا من يحزنون، ونحافظ في نفس الوقت على التقاليد الجوراسية لمجالس المستحاثات.
وكل بوق وأنتم بخير
' بقلم:أديب حسن محمد كاتب من سورية نقلاعن القدس العربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق