بقلم:السيد حمدي يحظيه
محاضرة عن القضية الصحراوية والأخطار التي تهدد منطقة الساحل
ما نكتب في هذه الحلقات ليس تقييما توضيحيا للمحاضرات ولا تلخيص لها، لكن هو جهد لإضافة بعض النقاط إليها في شكل مقالات. هذه الإضافات الغرض العرضي منها هو الإغناء المعلوماتي وفتح المناقشة المكتوبة عنها.
المقال:
في الواقع منطقة الساحل، حين نعني الحيز الجغرافي الحدودي، هي تلك الصحراء الممتدة والمتمددة من الجزء الجنوبي من الصحراء الغربية مرورا بموريتانيا كلها وصولا إلى ما وراء مالي والنيجر وصولا إلى جنوب الجزائر.
إن هذه المنطقة( الساحل) هي، بسبب انفلات الأمن فيها، أصبحت مضطربة دائما في أذهان الكثيرين، وأصبحت تشكل مصدر خوف للعالم كله تقريبا، خاصة لسكانها. لكن منذ متى أصبحت هذه المنطقة مضطربة؟ اضطراب هذه المنطقة بدأ منذ أصبحت ملجأ ووكرا للإرهاب بعد هجوم الولايات المتحدة الأمريكية على افغنساتان والعراق، و”فرار”- مثلما قال الإعلام المرغبي- الكثير من مقاتلي القاعدة إلى شمال غرب إفريقيا وتكوينهم لما سيسمى لاحقا بالقاعدة في المغرب الإسلامي. لكن لماذا انتقلت القاعدة إلى هذه الصحراء ولماذا أطلقت على نفسها القاعدة في منطقة المغرب الإسلامي.؟ لماذا لا تنتقل إلى صحراء ليبيا أو السودان أو منطقة أخرى.؟
الانتقال في حد ذاته إلى هذه المنطقة( الساحل) مشكوك فيه، والتسمية( القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي) لن يكون اعتباطيا طبعا ولن يكون لمجرد الانتقال والبحث عن مكان آمن. فبين المنطقة التي انتقلت منها القاعدة( افغانستان) والمنطقة التي لجأت إليها( الساحل) ما بين السماء والأرض مسافاتيا. تعليل القاعدة للانتقال إلى هذه المنطقة هو أنها منطقة غير محروسة وواسعة وتصل إليها المحروقات المرهبة بسهولة ويسر من الجزائر، ويمكن أن تتمركز فيها الوحدات المقاتلة براحة تامة.
وإذا كانت هذه المبررات يمكن إن تخدع قناعة السامع والقارئ عند أول مهلة فيؤمن بها، فإن الحقيقة غير ذلك. فعناصر القاعة لم ينتقلوا إلى هذه المنطقة، لكن تم تأسيس قاعدة لقيطة جديدة بهذا الاسم هنا لا علاقة لها بالقاعدة الأم التي كانت تنشط في افغنستان، وكل ما حصل هو أن عناصر من المنطقة مثل بلعور وابوزيد انتقلوا إلى هنا فتأسست حولهم قاعدة أخرى ومجموعات كثيرة من الجماعات مستغلة شهرتهم. إذن، القاعدة لم تهاجر إلى منطقة الساحل، وكلما حدث هو أن هناك جهة\ دولة\ قوة ساعدت القاعدة الجديدة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على التكون والتأسيس في هذه المنطقة وإثارة الرعب وإنتاج مصطلح الساحل المعرض للخطر.
من له مصلحة في تكوين هذه القاعدة الجديدة وإنتاج هذا الكم الهائل من الجماعات الإرهابية؟
وجود بؤرة إرهاب أو قاعدة في شمال مالي غير المحروس وامتدادها مثل بقعة الزيت المشتعلة إلى المناطق الشمالية الشرقية من موريتانيا وجنوب الجزائر يجعلنا ندرك من هو المستهدف منها ومن هو الذي يقف وراءها؟
قبل الإجابة عن هذه الأسئلة، يجب أن لا يغيب عن أذهاننا البديهيات التالية: من أين ستتمول هذه الجماعات الإرهابية؟ وما فائدة وجودها في هذه المنطقة.؟ التمويل الذي نعني هو اللوجيستيك من سيارات وأسلحة، والمحروقات والمال.
إن تواجد هذه القاعدة الجديدة( القاعدة في منطقة المغرب الإسلامي) الساحل تستهدف منطقة محددة هي المنطقة الموجودة بين موريتانيا الجزائر الجنوب الشرقي للصحراء الغربية، وتستهدف الأجانب – الفرنسيين بصفة خاصة- المتواجدين في شمال مالي والنيجر. إذن، لمصلحة من حدوث اضطراب في موريتانيا والجزائر وجنوب شرق الصحراء الغربية؟ ببساطة الاضطراب في هذه الدول الثلاثة هو في مصلحة المغرب. فانتشار الإرهاب والسلاح والفوضى في المنطقة الحدودية بين الجزائر وموريتانيا والصحراء الغربية كان يروم القضاء على خطوط الحدود الأمينة وزعزعة أمن المنطقة، وخلط مقاتلي الجماعات المسلحة ومواقعهم وخنادقهم مع مقاتلي البوليساريو، وجعل تلك المنطقة تخرج عن سيطرة الجميع، وتصبح وكرا للتجارة والسلاح والتناحر بين الجماعات، واعتبار البوليساريو جماعة من تلك الجماعات، وبالتالي تهييج أمريكا ضدها لتضمها إلى قائمة الإرهاب السوداء. تواجد القاعدة في تلك المنطقة وتحالفها مع جماعات الجريمة المنظمة الخارجة عن القانون رافقته دعاية كبيرة من طرف المغرب لإلصاق تهمة الإرهاب بالبوليساريو ومحاولة تشويه وجهها أمام العالم وأتهامها باطلا بكل صفات المنظمة الإرهابية، وطلب من الولايات المتحدة الأمريكية إدراجها في قائمة المنظمات الإرهابية.
- تأسيس جماعة التوحيد والجهاد لمهمة محددة
وفي محاولة لإيهام الرأي العام أن البوليساريو إرهابية قامت عناصر من المخابرات المغربية بتأسيس ما ستسميه لاحقا “جماعة التوحيد والجهاد” للقيام بعملية استعراضية محددة ضد البوليساريو وتشويه وجهها أكثر عند الولايات المتحدة الأمريكية لتضعها على قائمة الإرهاب. وفعلا نجحت العملية الاستعراضية الأولى والأخيرة لجماعة التوحيد والجهاد حين تم اختطاف المتعاونين الأجانب من المخيمات في أكتوبر 2010م.
لماذا يتم استهداف الأجانب في المنطقة؟
هدف الجماعات المباشر والوحيد هو الحصول على الفدية وتوفير مصادر التمويل، أما الهدف السياسي لمن يقف وراء تكوين تلك المجموعات، فهو تهييج فرنسا كي تتدخل في المنطقة خاصة في جنوب الجزائر وخلق مشاكل بينها هي والجزائر. فعلا تدخلت فرنسا في المنطقة وكادت حربا شاملة أن تحدث في تلك المنطقة لو لا حكمة الجزائر بعدم الانجرار لتلك الحرب.
في الأخير فشل الهدف السياسي من تشجيع وتمويل القاعدة في المغرب الإسلامي، وفشل مسعى خلط ودمج البوليساريو كمنظمة تحرير مع الجماعات الإرهابية والخارجة عن القانون وفشل إدراجها على قائمة الإرهاب، كما فشل مخطط زعزعة الجزائر وموريتانيا.
وكخلاصة، فإن الأمن في الساحل تمت السيطرة عليه بعد سيطرة الجزائر على المحروقات التي تتسرب من أرضها وبعد فشل محو الحدود الأمنية بين مراكز ومناطق البوليساريو ومناطق القاعدة في شمال مالي.
إن الدلائل والشكوك، معا، كانت تشير، ومنذ البداية، إلى أن المستفيد من وجود القاعدة في شمال غرب إفريقيا هو المغرب، وبالتالي فإن عزل المغرب، أمنيا وسياسيا، عن هذه المنطقة كان هو الحل الوحيد لجعل الأمن والصمت والهدوء يستتبان في هذه المنطقة. إن كل دول الساحل أصبحت واعية أن المغرب هو البلد الوحيد المستفيد من أي اضطراب في تلك المنطقة لهذا تم عزله سياسيا وأمينا من المشاركة في أية سياسة لها علاقة بالساحل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق