.. بقلم بلاهي ولد عثمان
السلام عليكم اخي العزيز...
اكتب اليك وانا أطفئ شمعتي الثامنة بعد الثلاثون،
كلي ثقة و أمل بأن أجد لديك اذان صاغية و عقل
واعٍ وقلب مفتوح لابوح لك عن فحوى هذا الزمن الغابر.
عزيزي العربي...
ولدت في تلك البيداء في مدينة تَرْنُو اليها كل العيون،
عيون الصحراويين، تلك العيون التي هي حقا عيون المها، ولدت من ابوين صحراويين لا يعرفان
للحدود اسم حيث تكون مواشيهم في اطراف تلك البيداء فذلك هو وطنهم، لم يكونوا يوما تابعين
لحكم الا ما اجتمع عليه قومهم، في حلهم وترحالهم يدكون اعداء الدين (المستعمر- اسباني
او فرنسي) انذاك، لانهم كانو يدركون كل الادراك ان الاوروبيين (انْصَارَا) باللهجة
الحسّانية لم يأتو الى هذه الارض حباً في اهلها.
جئت الى الدنيا وسط صراع بين الشرق والغرب بين الشمال
والجنوب، صراع كنت انا و اقراني و اهلي وجيراني وبني جلدتي عموما ضحاياه، كنا كما عقلنا
على حكايات الاباء والاجداد نعيش كما كان يعيش العرب في جزيرتهم وشيمنا شيمهم و حرُماتنا
من حرُماتهم حيائنا من حيائهم وآمالنا آمالهم ولهجنتا من لسانهم وعاداتنا من عاداتهم
و هم الكل و نحن منهم الجزء...
اخي العزيز...
في تلك السنة المشؤومة كانت السماء متجهمة و الليالي مظلمة و البيداء مغفرة
و الامطار مُمْسَكَةٌ، وكل ذلك لان الساقية الحمراء فصلت عن وادي الذهب انه تآمر الاشقاء
و مطلب الاعداء، هاجر الاهل والاحباب وشُتِّت العائلات ورُملت النساء وقُتل الاطفال
وتيتمت البنات وثكلت الامهات و قصفت المدن و احرقت القرى و أُسِرَ الرجال و سجن الشباب
و .. و .. لايمكنني ان اسرد لك ما حل بنا، وقتها كنت طفلا في مهدي إن كان لي مهد تلفني
أمي بملحفتها السوداء وتقيني حر الشمس وغضب السماء بدفئها وحنانها دون ان تهتم بنفسها
همها ان اصل حيا الى المخيم وهذا حالاي وحال الناس من حولي.
اتجهنا نحو الشمال وراء قطيع من الابل قد اشتم راشحة
الماء على بعد أميال، وجائنا الخبر ونحن في الطريق بأن ماغول الشمال قد اجتاحوا الحدود
المسمات (طاح)، قد تسألني ومنهم ماغول الشمال؟ فأجيبك انها المسيرة السوداء تحمل اعلام
الغرب الى جانب اعلام حمر غريبة ما رأيناها من قبل من اجل ظلم ذوي القربى،"وظلم
ذوي القربى أشد" هكذا تحكي أمي هذا الخبر.
وفي الجنوبي قوم كنا مثلهم في الملبس والمأكل وحتى
الحديث و الارض والبشر، غارو علينا و قتلو ابراهيم وأحمد و زينب ومريم وعاثوا بنا بكثير
من اعمال الصُغر، وهربنا ورجعنا و ما عاد البشر يدري مالخبر!! خيامنا تنصب عشية وتطوى
مع رؤية البصر عند بزوغ خيط الفجر، خوفا من طائرات او حوامات تقذف نار تقتل الشجر والانعام
والبشر، اتجهنا نحو الشرق و نفي ليالي الشتاء الباردة نلتحف السماء ونفترش الارض
في النهار نختبئ تحت ظلال الطلح و في الليل نسير تحت ضوء القمر حتى بلغنا المخيم الذي
اقامته مجموعة من الثوار للمشردين واللاجئين امثالنا قالو لنا انتم في الامان مادمتم
في هذا الحضر وقد ابتعدتم عن مكمن الخطر، و ترأت لنا اضواء ليست بالبعيدة منا قالوا
تلك مدينة تندوف الجزائرية تنفستُ الصعداء و صليت ركعتين حمدا لله على سلامتي و ابنائي
ومن معي... هكذا تحكي أمي الخبر.
كنا نحن الاطفال حينها نكبر وننموا ببطء شديد نغتات
على المساعدات الانسانية التي تأتينا من وراء
البحار، لم أتذكر يوما و لا أمي تتذكر هي الاخرى، اننا أطعمنا طعاما عربيا ولم أفرأ
البتة على المعلبات و الاكياس ان هذه هبة من دولة عربية ما الا ما قل و ندر، كم اشتقت
ان اقرأ هذه هبة من الدولة العربية كذا....ولكن....، نعم قرأت كغيري الكثير من عبارات
اللغة العربية مثل (هذه هبة من الاتحاد الاوروبي) او (هذا المنتج ليس لاغراض البيع)
او (حلال خالي من لحم الخنزير) هذه بعض العبارات و الكلمات العربية التي تحملها المنتجات
والهبات الموجهة للاجئين الصحراويين في جنوب غرب الجزائر، هذه الاخير وحدها من فتحت
لنا صدرها بالرحب والسعة ووفرت الإواء والدواء والامن والاستقرار فلله درك يا جزائر
الثوار.
اخي العزيز ...
أليس هذا ألم و ظلم قد استقر في تلك الصحراء و بدا
لي وانا اعد االسنين انه مؤامرة حيكت ضد اهل الارض في الساقية الحمراء ووادي الذهب،
جبهتنا وقتها دقت ابوابا العرب و الغرب ، تتلمس حلا او حاميا او وسيطا لحقن دماء البشر،
ولكن لا حياة لمن تنادي واشتعلت الحرب في الشمال والجنوب، وهربت اسبانيا وتركت الدائرة
تدور على حرب بين الاشقاء، استمرت قرابة عقدين من السنين، وجاء السلم و السلام الملغوم
وما عدت احتمل، تركت اخوة واشقاء واهل واحبة في الديار المحتلة مثلي كانوا اطفالا،
أصبحوا أباءًا او أمهاتٌ و ابنائهم اصبحوا أباءً، اجيال تلاحقت والجرح لم يندمل.
عزيزي العربي...
أكتب لك وانا اتابع حلقات ربيع عربي كانت شرارته الاولى
من مخيم في ضواحي مدينة العيون كبرى حواضر الصحراء الغربية اسمه (أقديم إزيك) تلك الشرارة
التي احرقت لعزيزي في تونس فأسقطت الديكتاتور بن علي و ازاحت مبارك من سدت الحكم في
مصر و حملت في قطارها عبد الله بن صالح الى المجهول و قتلت رياحها المرتدة نحو طرابلس
الغرب القذافي و اتت على الاخضر واليابس في بلاد الشام سورية، لقد كانت ربيعا عند البعض
وخريفا عن آخر وشتاء قارسا عند أخرين وصيفا حارقا في معظم الاحوال.
هذه حكايتي مع الوطن المسلوب الصحراء الغربية الواقعة
في الخاصرة الغربية من وطن يمتد من الخليج الى المحيط، تتلقفه امواج الحرب والسلم في
كثير من الازمنة ولا ندري اين يكون طيف السلام وغصن الزيتون و كلنا امل في ان نعيش
مكرمين معززين في اوطاننا و الله المستعان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق