لقد سوق منظروا الاستعمار القديم،على
انه بديل حضاري و ناشر للمدنية، و سينتشل الشعوب من ظلامية التخلف و البدائية الى
عصر التطور و الحداثة، لكن ما ان استفاقت الشعوب و بدأت تنتج نخبها حتى ادركت ان
كل المبررات التي جاء بها الاستعمار و منظروه ،كانت حجج واهية و ذرائع تخفي وراءها
نوايا مبيتة و ممارسات مقيتة هدفها الالتواء على مقومات الشعوب عبر تجريدها من اسباب
مناعتها، و قد طالت هذه الممارسات كافة مناحي و مجالات الحياة الاقتصادية،
التاريخية، الاجتماعية و الثقافية.
و لكن ابغضها و اخطرها، هو ذلك
الذي يستهدف مقومات الشعوب و يحاول بكل ما اوتي من قوة من اجل التأثير و القضاء
على جوهر ثقافتها و تمييعها بأي شكل من الاشكال، فعندما نستقري تاريخ الاستعمار و
المخططات التي رسمها بغية السيطرة و الهيمنة على مصائر و مقدرات الشعوب، يتبين لنا
ان كل ما يفعله المغرب اليوم للثقافة الصحراوية من طمس و استلاب مبررا استعمارياً
حيث لا يزال يتصرف بنفس النمطية و
الخلفية الاستعمارية في الصحراء الغربية مستهدفا جوهر الشخصية الوطنية بكل عناصرها
و لعل من ابرز الرموز و اكثرها محاربة الخيمة الصحراوية
فلا يحارب المغرب الخيمة كونها
موروثا ثقافيا مميزا لخصوصية الصحراويين او كحاضن للتراث بشقه المادي، بل يحاربها
خشية مما يصنع و يتخذ تحت سقفها من قرارات حاسمة ، فعلى مر التاريخ و في كل
المحطات المفصلية و المشرقة من تاريخنا الوطني كانت الخيمة عنوان لتوحيد الجهود و
التصورات و الخروج من دائرة التشرذم و الانقسام و صدا لسياسة " فرق تسد"
التي انتهجها الاستعمار لضرب وحدتنا ، وهي
ايضا عنوان للصمود في المنفى املا في العودة الى الوطن ، وتعبيرا عن الرفض و
العصيان لكل المخططات التي تستهدف النيل من قضيتنا.
فالخيمة هي الرمز الذي ظل يثير الرعب في نفوس المحتلين اكثر من العلم و
الشعار، بدليل ان الادارة المغربية اصدرت قرارا بمنع بناء الخيم و اقامتها تحت اي
مبرر، و لم يكن هذا القرار اعتباطيا بل جاء نتيجة الهزيمة التي منيء بها المحتل
المغربي ، وما الهجوم الغادر الذي تم به تفكيك مخيم "اكديم ايزيك" الا
دليل على انتصار الخيمة و الخوف من هذا العمل الحضاري الراقي الذي اصبح نموذجا في
المقاومة ضد الظلم و الاضطهاد.
فقرار المنع في حد ذاته هو شكل من اشكال الطمس، و القفز على حق الصحراويين في التمتع بحقوقهم الثقافية التي يضمنها الاعلان
العالمي لحقوق الانسان و المحفوظة في مبادئ الامم المتحدة المصادق عليها من قبل
المغرب، و جريمة خطيرة و سابقة، لان مثل هذا القرار هو انتهاك سافر و خطير من شأنه ان يطمر موروثا ثقافيا ورثه الصحراويون
ابا عن جد، و يعرضه للاندثار و التلاشي مع الزمن.
و بهذا القرار الحاقد الذي يعبر عن سياسة مهزوزة و مهزومة، و متناقضة مع ما
يطرحه المغرب من مشاريع سياسية و اقتصادية و اجتماعية كأطروحته " الحكم
الذاتي" و دسترة الحسانية و الاهتمام بها و "تنمية المنطقة"، كلها
شعارات بان زيفها، ــ الدوني من لرض ينعت لكصيها ـ، اذ كيف للصحراويين ان يثقوا في هذه المشاريع في
الوقت الذي تنتهك ابسط حقوقهم الثقافية.
فالخيمة رغم انف المغاربة ارث تاريخي ثقافي نعتز به و
سيبقى كذلك، و سيظل شبح يطارد المحتل المغربي ما بقي صحراوي على الارض.
بقلم: خطري الزين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق