هكذا دائما... تغلق الذاكرة عند نهاية المشهد، ويذهب الجميع وتبقى في البال بصمات الأحداث وأثارها، لتبقى في الأذهان الصور شاهدا يستريح في الظل، وحين نستعيدها ونضعها أمام منظار الواقع، تذكرنا بحدوث الزمن وأثاره، تذكرنا بتبدلات الأحوال والعادات والتقاليد والقيم، حين نستحضرها ..تعيدنا إلى لحظة التقاطها ووقوعها، فنبتسم باعتزاز ونحتفل ألف مرة ونفتخر بامتنان، ونحاول تذكر الوجوه الصديقة والأجساد المناضلة والتي شاركت معنا في صنعها، ونتفقد بصماتنا عليها ونمضي إلى شيء ألذ طعما من الانتصار.. الثقافة ... هي خزانة لتجربة المرء، حين نفتحها، نشاهد أنفسنا في معاني وأفكار، في أحداث ولحظات وقفنا فيها لسنوات وأيام لتحقيق معنى لوجودنا، وفي الانكسارات التي تعرضنا لها وغيرت في أيامنا وأحدثت فجوات عميقة في تاريخنا وأثرت على أنفسنا وأجسادنا.. حين نقلب محتوياتها، تشرق من بينها عادات وتقاليد راسخة معنا من أول يوم ولدنا فيه والعالم من حولنا، لنكتشف أماكن ومواقع عديدة لخيم وولايات وبلاد ووجوه غيبها الدهر، ووجوه غابت في المنفى، وأخرى لازالت تراوح أماكنها حفاظا على الأرض والوطن، نفتحها فنقرأ كتبا من تراثنا العريق تحكي قصصا وروايات تشبه الخيال، على حكايات أهل و أجداد وجيران وأصدقاء وأقارب وأيام، ونعثر فيها على سنوات أعمارنا وما قمنا به في سبيل صنع ثقافة تختلف عن الاخرين، لأنها بباسطة تشبهنا تماما مثلما قمنا بتربية أجيال من أبناءنا على نفس العادات والتقاليد و القيم ، ونشأت تلك الأجيال لتحافظ على ما صنعناه من تراث وفن وثقافة أوجدناها منذ القدم، وعلى لحظات أوجدتها الذاكرة الصحراوية في حينها، لحظات فرح يحذوها أمل بالانتصار، لحظات حزن من فعل جور الاحتلال ومرارة اللجوء وقساوة السنين.. الثقافة خزانة لأعمارنا، حين نستحضرها بكل مفاهيمها ومعانيها تشعرنا بقيمتنا في هذه الحياة ونشعر في ظلها بوجودنا وباختلافنا عن الآخرين وبتميزنا عنهم، حينما نعيش عمقها نلتقى أناسا أضافوا إلى حياتنا حياة وبهاء ومعنى، على من حرضوا أرواحنا على النضال والمقاومة والصمود، وعقلنا على التفتح والنشاط والحيوية، وعلى معرفة كل ما يحيط بنا وعلى الأسئلة المحرمة والمغامرات والتضحيات الكبرى... نعثر فيها على أناس جمعتنا بهم الصدف والمنافي فصاروا جزاء من ثقافتنا وشكلوا حيزا مهما في حياة شعبنا، صاروا رفاق درب ومستقبل، وأصبحوا جزءا من ذاكرتنا بعد أن باتوا مطارح لأسرارنا وأحلامنا، لأناس توقهم البحث عن الحرية والجمال والاستقلال.. نفتح الذاكرة ـ الثقافة ـ الخزانة، فنعثر على شيخ صحراوي يجر خلفه الأعوام يرتدي زيا تقليديا وعلى وجهه نور ووقار يكافح عمره في طي الفلوات ليفوز بطعم الحرية والانعتاق من ظلم الاحتلال، نعثر على أم توقد الحطب وتناضل سنواتها حفاظا على قوامها وجمالها وما تملكه من قوة لتطعم أولادها بالعيش واللبن و الأرز... نعثر فيها على شباب عاطل عن العمل ينظر إلى الأفق وقلوبه معلقة على تخوم المغيب ينتظر النهايات(..)، نعثر على عجوز تكنس قشور البيض وبقايا الطعام وأيامها منذ الصباح من على الحسيرة التي تقيها قسوة الحر، وتغني لزمانها ولخرافها كي تهجع إلى الزريبة، والى صغارها كي يناموا إلى أحلامهم بعد يوم دراسي طويل.. نقلبها فنتذكرامرأة أقامت في حياتنا وخصبتها بالشجاعة والنضال والوجود، ففاضت أرواحنا بالعشق والحب لهذا الوطن، وفاضت قلوبنا وأقلامنا باللغة والشعر و الإبداع... نعثر فيها كذلك على محلات ومؤسسات ومصالح وقيم صنعناها من العدم ، وقصورا ومدارس وبنايات ومعالم ورسومات أوجدناها من اللاشيء ، وحصادا هائلا من الأحداث والوقائع شكل تاريخنا وأنتج لنا تراثا هو جزء من ثقافتنا، حتى وجدت عادات لم نألفها في زمنها بفعل تداخل همومنا وأيامنا بمعاناتنا وآلامنا، فأصبحنا نفتح خزانتنا ـ ثقافتنا ـ على صبية يشاكسون فتاة المغيب، وعلى شباب يسابقون النساء والوقت لحجز مقعد مريح في سيارة للأجرة، وعلى جد يهش على أحفاده بعكازه سئما من وطأة السنين، ونعثر على قبر لصديق شهيد فلا نذكره بخير، وذاك شطر اخر جديد لم نألفه بعد من عاداتنا وثقافتنا،،، ونعثر في الاخيرعلى من تسببوا في ضياعنا في هذا العالم، منشغلين عن أرواحهم بقتلنا ونفينا ومحاولة محو ثقافتنا ووجودنا من قواميس وثقافات الشعوب وحضارات الأمم، يشاهدمهم العالم منا وهم متكئين على عصي الوقت يتنظرون نهاياتنا وانقراضنا بهدوء... لتبقى في البال بصمات الأحداث وأثارها شاهدا على أن الثقافة بما حملناه لها، وبما تحمله لنا، ستذكرنا دائما عند نهاية كل مشهد بأنها ذاكرة المرء و خزانة لحفظ هويته.
شاركها !
عن الكاتب :
شاب مغربي أحب كل جديد في عالم الانترنت من مواقع وبرامج واحب التدوين ودائما ابحث عن الجديد لتطوير مهاراتي في مختلف الميادين التي تعجبني لكي انقل معرفتي وتجاربي لآخرين حتى يستفيدوا بقدر ما استفدت انا ;)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق