"هم حين يموتون لا يعاقبوننا بالموت معهم هم يعاقبوننا بالحياة دونهم"
أنهض من ركام الألم متوجعا .. أنفض عني غبار الحزن و أخترق عتمة الليل بشعاع نور مصباحي الصغير .. لا يهم كم الساعة الأن فعقارب الزمن توقفت مع توقف نبضه .. أستجمع ما لدي من قوة و شجاعة و أمسك يراعي ليقف منتصبا مستعدا متأهبا جاهزا لتأدية واجبه الأخلاقي و اﻹنساني قبل النضالي و الوطني تطاوعه في ذلك ذاكرة حبلى بلحظات و صور و مواقف و محطات بطلها و سيدها و عنوانها رجل قلما تجود بمثله الأرحام أو تأتي بشبيهه الأيام .. رجل لا كالرجال زفته الداخلة عريسا مكلالا بتيجان الشرف و الخلود و العزة .. رجل إغتالته آلة القتل المغربية الجبانة عن سابق إصرار و ترصد لأن صوته المجلجل الصادح بالحرية و الاستقلال قض مضاجعها .. رجل رحل فترك خلفه ألسن تلهج و دماء تفور و حمم تغلي و مدينة استحالت ثكنة عسكرية و نفوس مغرمة بمسار حياة صارت قدوة لجيل لكنها ثأر أيضا ..
فمن هو هذا السرمدي الذي أغمض عينيه للمرة الأخيرة فبكته كل العيون ..
إنه يا عالم الشهيد حسنة الوالي والده المرحوم الطالب بويا الوالي و والدته أطال الله عمرها الام الصابرة الريتا منت بوسيف و هو الاخ الشقيق لخمسة أخوة " 3 ذكور و 2 إناث" أطلق صرخته الأولى في هذه الدنيا اواخر العام 1972 بمدينة العيون عاصمة الوطن الجريح .. إنقطع عن الدراسة مبكرا بسبب ترحال الاسرة السنوات الاولى للإجتياح .. كان قيد حياته مدافعا عن حقوق الانسان عضو المنظمة الصحراوية لمناهضة التعذيب بالداخلة و أحد أبرز قيادات الانتفاضة بالمدينة .. فبصدر عاري و ارادة تدك الجبال تحدى جحافل العسكر المحتل و قاد الى جانب رفاقه انتفاضة الداخلة المحتلة سنة 2005 و ملحمة 2011 التي على إثرها اعتقل .. و مابين هاذين التاريخين صال المقدام و جال في كل مساحات الفعل الوطني مبدعا و رائدا و قائدا مثاليا فكان الحاضر الأول في كل لقاءات المناضلين مع الوفود الاجنبية التي تزور المنطقة و شارك في الوفد الثالث الذي زار مخيمات العزة و الكرامة الاشهر الاولى من سنة 2010 و الوفود التي اعقبت ذلك .. و هو الثائر الأبي الذي عرى زيف ادعاءات المغرب و تشدقه باحترام حقوق الانسان امام المقرر الخاص بمناهضة التعذيب الذي زار المعتقلين بالسجن لكحل و ايضا افشل المسرية التي سبقت ذالك المتمثل في زيارة ابواق المخزن للمعتقلين من اجل التسويق الخارجي .. و هو الفارس الذي اعتلى صهوة المرافعة عن شعبه داخل محكمة الجور و استقبل صدره ثلاثة سنوات سجنا نافذة نيشان فخر و محفز بذل و شهادة استحقاق .. هو الصامد المكافح الذي لم يسلم البطش و التنكيل و التعذيب و قطع الارزاق و التهديد و غير ذلك من سياسات تعسفية نهجتها الاجهزة القمعية المغربية ضده رغبة منها في فرملته و إسكاته لكن دون جدوى ظل الحر حرا ابيا شامخا منغرسا صلبا خارقا للعادة ..
إنه الضرغام الهصور الذي تجرع اليتم و هو لا يزال شابا في ازاهير العمر .. ففي سنة 1995 عندما كان رفقة والده انفجر بالسيارة التي يمتطيان لغم لعين من مخلفات و دسائس جيش الغزاة المحتل .. لم يصب حسنة بأذى .. هزم اللغم و الموت و الغزاة .. نزل من السيارة المحطمة و هرول مسرعا طالبا النجدة لإنقاد والده العالق في السيارة و المصاب بجراح خطيرة تجمع الرجال بعيد عن مكان الانفجار بعد أن خذلتهم شجاعتم و لم يجرؤ احد على الاقتراب .. امتطى حسنة ذو الثالثة و العشرين ربيعا سيارة احد الواقفين و انطلق مقتحما حقل الألغام وحيدا .. و إنتشل أباه و نقله الى المستشفى .. لكن إرادة الله إختارت أن يفارق الطالب بويا الوالي الحياة قبل وصوله ..
إنها الشجاعة و البسالة و الاقدام .. رحل الوالد تاركا الحمل للولد الشاب الذي و مذ ذياك الزمن هو رب الاسرة و معيلها ..
إنه الشهيد حسنة .. الانسان الطيب الصدوق الخلوق الكريم بسخاء و المعطاء و المحبوب الدائم الابتسامة و العصامي المثابر رغم إنقطاعه عن الدراسة مبكرا إلا أن شغفه بالقراءة و التعلم و ذكاءه و فطنته منحته ثقافة و حمولة معرفية محترمة و قد كان ذو قريحة و يمتاز رحمه الله بحسه الفكاهي و طرائفه .. و قد حكى لي هشام سيد احمد المكي أقرب الرفاق للشهيد حسنة أنه ذات مرة كانا متجهين لأوسرد فوجدا في الطريق صدفة سياح قاموا بإصالهم الى حيث هم ذاهبون .. السياح يتكلمون اللغة الإنجليزية و طول الطريق ظل حسنة يشاطرهم اطراف الحديث بتجاوب ادهش هشام و أثار عجبه فسأله مستغربا من أين و متى تعلمت هذا أجابه الشهيد بلباقته و فكاهته "يعمر إذاعة لندن" ..
كل من يعرف الشهيد لن ينسى حسن خلقه و تعامله الاخلاقي و حنانه و عطف على المحتاجين و الصغار و الضعفاء .. إنه بلسم الجراح و الترياق الذي يشفي النفوس العليلة الحزينة ..
الشهيد حسنة المولع بالشعر العربي و الحساني و المحافظ على صلواته و المواظب عليها هو ايضا طباخ ماهر "لمارو" و كان رحمة الله عليه ينوي و يعتزم الزواج مباشرة بعد إطلاق سراحه مطلع العام المقبل .. موجع هذا أليس كذلك .. لكن الموجع أكثر و الأكثر إيلاما هي قصة الشهيد حسنة مع الصغيرة هدى إبنة أخت حسنة التي رحلت إلى جوار ربها و تركت الطفلة هدى أمانة عند حسنة و هو الأمين الصادق .. فاحبها اكثر من نفسه و اعتنى بها و رباها كانها ابنته .. هدى تنادي حسنة بابا .. بابا ..ترافقه دائما لا تغيب عن ناظره برهة و من داخل السجن كان دائما يتحدث معها عبر الهاتف لكي تنام .. مأساة الطفلة هدى أنها تعيش اليتم مرتين .. بعد اليوم لن تجد البريئة ملاذها الآمن .. لن تسمع صوت ملاكها لتنام .. لن تعرف للحياة لون بعد ان أفل حسنة الى الأبد .. فما ذنب الصغيرة حتى يغتال أحب الناس لها بإهمال مبيت و حقنة جليكوز رغم حلاوتها و الله هي أمر من العلقم ..
إنه الشهيد حسنة ... آسف يراعي لم يعد قادرا على اكمال واجبه .. هده الترح و جف كمدا .. لذلك ساستعير يراع الدرويش لألخص لكم ما غص به صدري و أنا احكي شذرات من حياة قامة سامقة ..
أعزائي .. أيها المفجوعون مثلي لكم هاته الابيات :
الزنبقات السود في كفّــي ...
و في شفتي ... اللهب
من أي غاب جئتي
يا كل صلبان الغضب ؟
بايعت أحزاني ..
و صافحت التشرد و السغب
غضب يدي ..
غضب فمي
ودماء أوردتي عصير من غضب !
يا قارئي
لا ترج مني الهمس
لا ترج الطرب
هذا عذابي ..
ضربة في الرمل طائشة
وأخرى في السحب
حسبي بأني غاضب
والنار أولها غضب
بقلم : الشيخ بنكا
سجن سلا الزاكي
الفاتح من اكتوبر 2014
الساعة .. توقفت عقاربها بتوقف نبضه ..
أنهض من ركام الألم متوجعا .. أنفض عني غبار الحزن و أخترق عتمة الليل بشعاع نور مصباحي الصغير .. لا يهم كم الساعة الأن فعقارب الزمن توقفت مع توقف نبضه .. أستجمع ما لدي من قوة و شجاعة و أمسك يراعي ليقف منتصبا مستعدا متأهبا جاهزا لتأدية واجبه الأخلاقي و اﻹنساني قبل النضالي و الوطني تطاوعه في ذلك ذاكرة حبلى بلحظات و صور و مواقف و محطات بطلها و سيدها و عنوانها رجل قلما تجود بمثله الأرحام أو تأتي بشبيهه الأيام .. رجل لا كالرجال زفته الداخلة عريسا مكلالا بتيجان الشرف و الخلود و العزة .. رجل إغتالته آلة القتل المغربية الجبانة عن سابق إصرار و ترصد لأن صوته المجلجل الصادح بالحرية و الاستقلال قض مضاجعها .. رجل رحل فترك خلفه ألسن تلهج و دماء تفور و حمم تغلي و مدينة استحالت ثكنة عسكرية و نفوس مغرمة بمسار حياة صارت قدوة لجيل لكنها ثأر أيضا ..
فمن هو هذا السرمدي الذي أغمض عينيه للمرة الأخيرة فبكته كل العيون ..
إنه يا عالم الشهيد حسنة الوالي والده المرحوم الطالب بويا الوالي و والدته أطال الله عمرها الام الصابرة الريتا منت بوسيف و هو الاخ الشقيق لخمسة أخوة " 3 ذكور و 2 إناث" أطلق صرخته الأولى في هذه الدنيا اواخر العام 1972 بمدينة العيون عاصمة الوطن الجريح .. إنقطع عن الدراسة مبكرا بسبب ترحال الاسرة السنوات الاولى للإجتياح .. كان قيد حياته مدافعا عن حقوق الانسان عضو المنظمة الصحراوية لمناهضة التعذيب بالداخلة و أحد أبرز قيادات الانتفاضة بالمدينة .. فبصدر عاري و ارادة تدك الجبال تحدى جحافل العسكر المحتل و قاد الى جانب رفاقه انتفاضة الداخلة المحتلة سنة 2005 و ملحمة 2011 التي على إثرها اعتقل .. و مابين هاذين التاريخين صال المقدام و جال في كل مساحات الفعل الوطني مبدعا و رائدا و قائدا مثاليا فكان الحاضر الأول في كل لقاءات المناضلين مع الوفود الاجنبية التي تزور المنطقة و شارك في الوفد الثالث الذي زار مخيمات العزة و الكرامة الاشهر الاولى من سنة 2010 و الوفود التي اعقبت ذلك .. و هو الثائر الأبي الذي عرى زيف ادعاءات المغرب و تشدقه باحترام حقوق الانسان امام المقرر الخاص بمناهضة التعذيب الذي زار المعتقلين بالسجن لكحل و ايضا افشل المسرية التي سبقت ذالك المتمثل في زيارة ابواق المخزن للمعتقلين من اجل التسويق الخارجي .. و هو الفارس الذي اعتلى صهوة المرافعة عن شعبه داخل محكمة الجور و استقبل صدره ثلاثة سنوات سجنا نافذة نيشان فخر و محفز بذل و شهادة استحقاق .. هو الصامد المكافح الذي لم يسلم البطش و التنكيل و التعذيب و قطع الارزاق و التهديد و غير ذلك من سياسات تعسفية نهجتها الاجهزة القمعية المغربية ضده رغبة منها في فرملته و إسكاته لكن دون جدوى ظل الحر حرا ابيا شامخا منغرسا صلبا خارقا للعادة ..
إنه الضرغام الهصور الذي تجرع اليتم و هو لا يزال شابا في ازاهير العمر .. ففي سنة 1995 عندما كان رفقة والده انفجر بالسيارة التي يمتطيان لغم لعين من مخلفات و دسائس جيش الغزاة المحتل .. لم يصب حسنة بأذى .. هزم اللغم و الموت و الغزاة .. نزل من السيارة المحطمة و هرول مسرعا طالبا النجدة لإنقاد والده العالق في السيارة و المصاب بجراح خطيرة تجمع الرجال بعيد عن مكان الانفجار بعد أن خذلتهم شجاعتم و لم يجرؤ احد على الاقتراب .. امتطى حسنة ذو الثالثة و العشرين ربيعا سيارة احد الواقفين و انطلق مقتحما حقل الألغام وحيدا .. و إنتشل أباه و نقله الى المستشفى .. لكن إرادة الله إختارت أن يفارق الطالب بويا الوالي الحياة قبل وصوله ..
إنها الشجاعة و البسالة و الاقدام .. رحل الوالد تاركا الحمل للولد الشاب الذي و مذ ذياك الزمن هو رب الاسرة و معيلها ..
إنه الشهيد حسنة .. الانسان الطيب الصدوق الخلوق الكريم بسخاء و المعطاء و المحبوب الدائم الابتسامة و العصامي المثابر رغم إنقطاعه عن الدراسة مبكرا إلا أن شغفه بالقراءة و التعلم و ذكاءه و فطنته منحته ثقافة و حمولة معرفية محترمة و قد كان ذو قريحة و يمتاز رحمه الله بحسه الفكاهي و طرائفه .. و قد حكى لي هشام سيد احمد المكي أقرب الرفاق للشهيد حسنة أنه ذات مرة كانا متجهين لأوسرد فوجدا في الطريق صدفة سياح قاموا بإصالهم الى حيث هم ذاهبون .. السياح يتكلمون اللغة الإنجليزية و طول الطريق ظل حسنة يشاطرهم اطراف الحديث بتجاوب ادهش هشام و أثار عجبه فسأله مستغربا من أين و متى تعلمت هذا أجابه الشهيد بلباقته و فكاهته "يعمر إذاعة لندن" ..
كل من يعرف الشهيد لن ينسى حسن خلقه و تعامله الاخلاقي و حنانه و عطف على المحتاجين و الصغار و الضعفاء .. إنه بلسم الجراح و الترياق الذي يشفي النفوس العليلة الحزينة ..
الشهيد حسنة المولع بالشعر العربي و الحساني و المحافظ على صلواته و المواظب عليها هو ايضا طباخ ماهر "لمارو" و كان رحمة الله عليه ينوي و يعتزم الزواج مباشرة بعد إطلاق سراحه مطلع العام المقبل .. موجع هذا أليس كذلك .. لكن الموجع أكثر و الأكثر إيلاما هي قصة الشهيد حسنة مع الصغيرة هدى إبنة أخت حسنة التي رحلت إلى جوار ربها و تركت الطفلة هدى أمانة عند حسنة و هو الأمين الصادق .. فاحبها اكثر من نفسه و اعتنى بها و رباها كانها ابنته .. هدى تنادي حسنة بابا .. بابا ..ترافقه دائما لا تغيب عن ناظره برهة و من داخل السجن كان دائما يتحدث معها عبر الهاتف لكي تنام .. مأساة الطفلة هدى أنها تعيش اليتم مرتين .. بعد اليوم لن تجد البريئة ملاذها الآمن .. لن تسمع صوت ملاكها لتنام .. لن تعرف للحياة لون بعد ان أفل حسنة الى الأبد .. فما ذنب الصغيرة حتى يغتال أحب الناس لها بإهمال مبيت و حقنة جليكوز رغم حلاوتها و الله هي أمر من العلقم ..
إنه الشهيد حسنة ... آسف يراعي لم يعد قادرا على اكمال واجبه .. هده الترح و جف كمدا .. لذلك ساستعير يراع الدرويش لألخص لكم ما غص به صدري و أنا احكي شذرات من حياة قامة سامقة ..
أعزائي .. أيها المفجوعون مثلي لكم هاته الابيات :
الزنبقات السود في كفّــي ...
و في شفتي ... اللهب
من أي غاب جئتي
يا كل صلبان الغضب ؟
بايعت أحزاني ..
و صافحت التشرد و السغب
غضب يدي ..
غضب فمي
ودماء أوردتي عصير من غضب !
يا قارئي
لا ترج مني الهمس
لا ترج الطرب
هذا عذابي ..
ضربة في الرمل طائشة
وأخرى في السحب
حسبي بأني غاضب
والنار أولها غضب
بقلم : الشيخ بنكا
سجن سلا الزاكي
الفاتح من اكتوبر 2014
الساعة .. توقفت عقاربها بتوقف نبضه ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق