/ بدون تصنيف / المجرد والمحسوس في شعر ابراهيم الصبار

المجرد والمحسوس في شعر ابراهيم الصبار

المجرد والمحسوس في شعر : ابراهيم الصبار


بقلم الاستاذ : التاقي مولاي ابراهيم

يعد إبراهيم الصبار احد النشطاء الحقوقيين البارزين ،وهو الكاتب العام للجمعية الصحراوية لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة من قبل الاحتلال المغربي،قضى عشر سنوات وراء أسوار قلعة مكونة ،كما اعتقل في الكثير من المرات وتعرض لصنوف رهيبة من الاستنطاق والتعذيب الجسدي والنفسي، إلا أن هذا كله لم بثنيه عن المضي قدما في سبيل نصرة قضيته الوطنية ورفع لواء التحرر في قلب إدارة العدو الاستعمارية ،الشئ الذي جعل منه رمزا من رموز النضال والصمود الذين فجروا انتفاضة الاستقلال المجيدة يوم 21ماي2005. إن التجربة السجنية المريرة التي مر بها المناضل إبراهيم الصبار،سواء في قلعة مكونة أو في السجن لكحل الرهيب بالعيون المحتلة أو في غيرهما من المعتقلات الرهيبة للنظام المغربي بقدر ما صنعت منه بطلا فضا غليظ القلب يرهب الأعداء في كل موقع،بقدر ما صنعت منه شاعرا مرهف الأحاسيس،يتغنى بوطنه ووطنيته من جهة و يكشف ممارسات الجلاد المتمثل في النظام الغازي المغربي الرهيبة و اللإنسانية التي تنم عن همجية ووحشية طالما حاول هذا النظام التستر عليهما من خلال التنكر في زي حقوق الإنسان و احترام حرية التعبير إلى غير ذلك من المفاهيم التي تتناقض والطبيعة التعسفية لنظام بنى كيانه عبر أشكال متعددة من التعسف والجور والطغيان.
إن المتأمل للمنتوج الشعري للمناضل إبراهيم الصبار يلاحظ وبجلاء ذلك التناغم الموضوعي بين المجردات و المحسوسات اللتان شكلتا العمق الروحي والمادي في قصائده،فالرمز بالنسبة إليه قوة ثابتة بحد ذاته في قصائده يضاهي جميع أشكال التعبير المحسوسة من خلال قدرته على التأثير، من اجل بعث روح مستدامة للمقاومة السلمية بجميع أشكالها حتى يتحقق الهدف المنشود المتمثل في الإنعتاق والتخلص من براثين المستعمر الغاشم.

إن التلازم المنطقي بين المجرد والمحسوس في أشعار إبراهيم الصبار نابع من تجربة معاشة،تجربة تميزت بالمعاناة المستمرة مع المحتل من خلال مقاومته له وما صاحب عن ذلك من ردود أفعال همجية من ضرب وتنكيل وسجن من جهة،وتميزت بالشوق والحنين إلى الحرية والخروج من الزنازن المغربية الذي يشكل بوادر التخلص من المستعمر البغيض من خلال تحرير الوطن من جهة اخرى.

ففي قصيدته (في رائحة القرنفل) يقول الشاعر إبراهيم الصبار:

في رائحة القرنفل...

أحاسيسي الدفينة، تتفتق... !

أسمع الزغاريد...

و الأمداح والأناشيد...

و صوت قرع الطبول...

كالنسغ، يسري حثيثا...

كماء النهر، يتدفق...

إن أية قراءة لفك رموز هذا المقطع تؤدي بنا حتما إلى اكتشاف أغوار الكاتب الدفينة في مرحلة محددة من مراحل النضال،مرحلة تميزت بضراوة العمل النضالي من جهة،وهمجية فاضحة للاحتلال ،همجية لا تؤمن إلا بأجندة واحدة هي القمع والتنكيل والتعذيب،الشئ الذي أدى بالشاعر إلى الاستعانة بلغة رمزية لايفهمها إلا المحرومين من حريتهم،المجردين من حقوقهم على وطنهم،فأصوات قرع الطبول والأمداح والأناشيد هي أساليب أراد الشاعر أن يوصلها لبني وطنه كتعبير عن أشكال الصمود التي يتصورها لمقاومة المحتل،وقد تكون هذه الأساليب بمثابة القطرة التي ستفجر ثورة عارمة ضد المحتل،ثورة ستجرف المحتل كما تجرف مياه النهر رواسبه.

وفي قصيدته (من وحيك، يا وطني!) يقول إبراهيم الصبار:

من وحيك، يا وطني!

حيثما الجدران والقضبانْ…

تحاصرُني الأحزانْ…

حيثما ضاقت بي ، زِنزانتي..

بِهمومِه قلبي ، انغمرْ…

تراودني ذاكرتي..

تُسائلني في السفرْ…

لِأَتحرر من الضجرْ

فإِذا بي … يا وطني…

كالصخرِ… كالحجرْ…

ففي هذه المقطع الشعري نلاحظ وبجلاء الوصف الصريح للوطن الذي حوله المستعمر إلى زنزانة واسعة،زنزانة بقدر ماهي أداة استعمارية لتركيع الصحراويين بقدر ما أصبحت مدرسة لترسيخ القناعات بحب الوطن وضرورة الذود عنه بالغالي والنفيس،ومن هنا أصبحت هذه الزنازن الميدان الفعلي لتقوية المواقف إلى درجة أنها تصبح اشد صلابة من الصخر في حد ذاته.

وفي قصيدته (كفاني ما أعاني) يقول الشاعر إبراهيم الصبار

ها أنا قابعٌ بزنزانتي…

أُعاني من رؤية سجاني..

أُعاني من ولَهِي وحِرماني..

أُعاني و أُداري كآبتي..

ومن عدِّ الدقائقِ والثًّوانِي..

أعَانِي…

ففي هذا المقطع بالذات نلاحظ تطور موقف الشاعر مع ازدياد لهيب الانتفاضة وماحققته من انتصارات كبيرة أدت بالمستعمر إلى الاستسلام للأمر الواقع واحترام حقوق الإنسان وحرية التعبير رغم أنفه،فأصبح الشاعر يسمي المسميات بأسمائها،فالزنزانة تعبير صريح عن الوطن المغتصب والسجان تعبير عن الغازي المحتل وما يترتب عن ذلك من أشكال التعسف والقمع الممنهج ضد الوطنيين الصحراويين،وهي أساليب لم تزدهم إلا إصرارا على مواصلة نضالهم السلمي الذي قد يتحول في أية لحظة إلى ثورة عارمة لا تبقي ولا تذر.

أن المتأمل لأشعار إبراهيم الصبار لابد أن يكتشف حقيقة ثابتة تدل على التلازم المنطقي بين المجرد والمحوس في قصائده،تلازم فرضته طبيعة الصراع الذي يخوضه الشاعر ضد سجانه،صراع يتأرجح بين شجاعته الشاعر ومواجهته بصدر عاري لآلة الاحتلال من جهة،والمواجهة الهمجية من قبل المحتل لهذه الشجاعة في معركة غير متكافئة بين الطرفين،لكن إرادة الشاعر تنتصر في الأخير من خلال إطلاق سراحه بفعل ضغط تلك الانتفاضة التي مهدت الطريق لشكل جديد من أشكال الإنعتاق التي كانت مفقودة إلى حد قريب في وطن كادت أن تمحو هويته فكرة الحكم الذاتي لولا هذه الانتفاضة المباركة التي انطلقت يوم 21 ماي 2010م.

عن الكاتب :

شاب مغربي أحب كل جديد في عالم الانترنت من مواقع وبرامج واحب التدوين ودائما ابحث عن الجديد لتطوير مهاراتي في مختلف الميادين التي تعجبني لكي انقل معرفتي وتجاربي لآخرين حتى يستفيدوا بقدر ما استفدت انا ;)
الموضوع السابق :إنتقل إلى الموضوع السابق
الموضوع التالي :إنتقل إلى الموضوع القادم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

your widget

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

انضم إلينا